فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش ، بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، أي من أوغر ، واقفين في مكان وعر من شدة الحر ، فهلك من هلك فيّ ، وكان الذي تولى كبره منهم ، عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، اه قولها ، رواه الشيخان ، قال تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) أي عليه (مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) في ذلك (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ) أي تحمل معظمه فبدأ بالخوض فيه وأشاعه وهو عبد الله بن أبيّ (لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١) هو النار في الآخرة (لَوْ لا) هلا (إِذْ) حين (سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ) أي ظن بعضهم ببعض (خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) (١٢) كذب بين ، فيه التفات عن الخطاب ، أي ظننتم أيها العصبة وقلتم (لَوْ لا) هلا (جاؤُ) أي العصبة (عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) شاهدوه (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ) أي في حكمه (هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٣) فيه (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ
____________________________________
قوله : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) أي من العصبة. قوله : (مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) أي جزاء ما اكتسب من الإثم في الدنيا ، وهو لغير عبد الله بن أبيّ ، فإنهم قد حدوا حد القذف ، وعمي حسان وشلت يده في آخر عمره ، وعمي مسطح أيضا ، أو في الدنيا والآخرة وهو لابن أبيّ ، فعذبه الله بخزي الدنيا والخلود في النار. قوله : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) لما بين سبحانه وتعالى حال الخائضين في الإفك ، وأنهم اكتسبوا الإثم ، شرع في توبيخهم وزجرهم بتسعة زواجر : الأول هذا ، والثاني (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ) الخ ، والثالث (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) الخ ، الرابع (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) الخ ، الخامس (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) الخ ، السادس (يَعِظُكُمُ اللهُ) الخ ، السابع (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) الخ ، الثامن (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) الخ ، التاسع (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) ـ إلى ـ (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ولو لا هنا للتوبيخ لدخولها على الماضي ، لأن لو لا لها ثلاثة أحوال : إذا دخلت على ماض كان معناها التوبيخ ، وإذا دخلت على مضارع كان معناها التحضيض ، وإذا دخلت على جملة اسمية كانت امتناعية ، وقد كررت هنا في ست مواضع : الأول والثاني والرابع توبيخية لا جواب لها ، والثالث والخامس والسادس شرطية ، ذكر جوابها في الثالث والسادس ، وحذف في الخامس فتدبر ، وإذا ظرف لظن ، والمعنى كان ينبغي لكم بمجرد سماعه ، أن تحسنوا الظن في أم المؤمنين ، ولا تصروا على الأمر القبيح بعد سماعه. قوله : (بِأَنْفُسِهِمْ) أي بأبناء جنسهم في الايمان والصحبة. قوله : (فيه التفات عن الخطاب) أي إلى الغيبة ، إذ كان مقتضى الظاهر ظننتم ، وحكمته التسجيل عليهم والمبالغة في توبيخهم.
قوله : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ) أي الإفك. قوله : (شاهدوه) أي عاينوا الزنا. قوله : (في حكمه) أي الشرعي لأن مداره على الشهادة والأمر الظاهر ، وهذا جواب عما يقال : إنهم كاذبون عند الله مطلقا ولو أتوا بشهداء ، فأجاب : بأنهم كاذبون باعتبار حكم الشرع ، ولا شك أنهم لو أتوا ببينة معتبرة ، لكان حكم الله أنهم صادقون في الظاهر ، فأراد الله أن يكذبهم ظاهرا وباطنا.
قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَوْ لا) امتناعية وجوابها قوله : (لَمَسَّكُمْ) والمعنى