القلوب بين النجاة والهلاك ، والأبصار بين ناحيتي اليمين والشمال هو يوم القيامة (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أي ثوابه وأحسن بمعنى حسن (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٨) يقال : فلان ينفق بغير حساب أي يوسع كأنه لا يحسب ما ينفقه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) جمع قاع أي في فلاة ، وهو شعاع يرى فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري (يَحْسَبُهُ) يظنه (الظَّمْآنُ) أي العطشان (ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) مما حسبه
____________________________________
قوله : (بين ناحية اليمين والشمال) وقيل تقلب الأبصار ، شخوصها من هول الأمر وشدته. قوله : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) اللام للعاقبة والصيرورة ، أي إن مآل أمرهم وعاقبته الجزاء الحسن ، وليست لام العلة ، لأن هذه مرتبة عامة المؤمنين ، وتلك الأوصاف إنما هي لكامل الإيمان. قوله : (وأحسن بمعنى حسن) أي فالمحترز عنه المجازاة على القبيح ، فالمعنى يجازون على كل عمل حسن ، قال تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) ولا يجازون على ما سبق من العمل القبيح.
قوله : (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي فلا يقتصر في إعطائهم على جزاء أعمالهم ، بل يعطون أشياء لم تخطر ببالهم. قوله : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) تذييل ووعد كريم ، بأنه تعالى يعطيهم فوق أجور أعمالهم من الخيرات ما لا يفي به الحساب. قوله : (يقال فلان ينفق بغير حساب) الخ ، أي فهو كناية عن كون الله يعطيهم ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر بغير نهاية ، فوق ما وعدهم به.
قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) الخ ، لما ضرب الله المثل للمؤمنين بأشرف الأمثال وأعلاها ، ضرب المثل للكفار بأشر الأشياء وأخسها. والحاصل أن الله ضرب للكفار مثلين : مثل لأعمالهم الحسنة بقوله : (كَسَرابٍ) الخ ، ومثل لأعمالهم السيئة بقوله : (كَظُلُماتٍ) الخ ، والاسم الموصول مبتدأ ، و (كَفَرُوا) صلته ، و (أَعْمالُهُمْ) مبتدأ ثان ، و (كَسَرابٍ) خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول ، ويصح أن يكون (أَعْمالُهُمْ) بدل اشتمال ، و (كَسَرابٍ) خبر (الَّذِينَ). قوله : (أَعْمالُهُمْ) أي الصالحة ، كصدقة وعتق وغير ذلك مما لا يتوقف على نية. قوله : (بِقِيعَةٍ) الباء بمعنى في كما يشير له المفسر بقوله : (أي في فلاة). قوله : (جمع قاع) أي كجيرة جمع جار ، وقيل القيعة مفرد بمعنى القاع. قوله : (يشبه الماء الجاري) أي ويسمى آلا أيضا ، قال الشاعر :
إذا أنا كالذي يجري لورد |
|
إلى آل فلم يدرك بلالا |
ويسمى سرابا لأنه يتسرب أي يجري كالماء. قوله : (يَحْسَبُهُ) بكسر السين وفتحها ، قراءتان سبعيتان ، وماضيه حسب بكسر السين ، وهو من باب تعب ، في لغة جميع العرب ، إلا بني كنانة ، فإنهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي أيضا. قوله : (الظَّمْآنُ) أي وكذا كل من رآه ، وإنما خص (الظَّمْآنُ) لأنه أحوج إليه من غيره. قوله : (حَتَّى إِذا جاءَهُ) أي جاء ما قصده وظنه ماء ، وهو غاية في محذوف ، أي يستمر سائرا اليه (حَتَّى إِذا جاءَهُ) الخ. قوله : (كذلك الكافر) الخ ، أشار بذلك إلى وجه الشبه ، فتحصل أنه شبه حال الكافر من حيث اعتقاده ، أن عمله الصالح ينفعه في الآخرة ، فإذا جاء يوم