كذلك الكافر يحسب أن عمله كصدقه. ينفعه حتى إذا مات وقدم على ربه لم يجد عمله أي لم ينفعه (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) أي عند عمله (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) أي جازاه عليه في الدنيا (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣٩) أي المجازاة (أَوْ) الذين كفروا أعمالهم السيئة (كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) عميق (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ) أي الموج (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ) أي الموج الثاني (سَحابٌ) أي غيم هذه (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ظلمة البحر وظلمة الموج الأول وظلمة الثاني وظلمة السحاب (إِذا أَخْرَجَ) الناظر (يَدَهُ) في هذه الظلمات (لَمْ يَكَدْ يَراها) أي لم يقرب من رؤيتها (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠) أي من لم يهده الله لم يهتد (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ
____________________________________
القيامة ، لم يجد الثواب الذي كان يظنه ، بل وجد العقاب العظيم والعذاب الأليم ، فعظمت حسرته بحال الظمآن الذي اشتدت عليه حاجته إلى الماء ، فإذا شاهد السراب تعلق به ، فإذا جاء لم يجده شيئا. قوله : (وَوَجَدَ اللهَ) أي وجد وعد الله بالجزاء على عمله ، أو المعنى وجد عذاب الله له. قوله : (أي جازاه عليه في الدنيا) المعنى أن الكافر يوم القيامة يعلم ويتحقق ، أن الله جازاه على أعماله الحسنة التي لم تتوقف على نية في الدنيا ، بالمال والبنين والعافية ، وغير ذلك من لذات الدنيا ، هكذا قال المفسر ، وهو وإن كان صحيحا في نفسه ، إلا أن المفسرين على خلافه ، فإنهم قالوا : معنى وفاه حسابه ، جازاه عليه في الآخرة بالعذاب. والحاصل أنه إن أريد مثلا أعماله الصالحة التي تتوقف على نية ، فمسلم أنه لا يجد لها جزاء في الآخرة ، ولا تنفعه أصلا ، وإن أريد خصوص ما لا يتوقف على نية فقيل لا يجد لها نفعا أصلا ، وقيل يجد نفعها ، إما في الدنيا كتوسعتها عليه وعافيته وغير ذلك أو في الآخرة بتخفيف عذاب غير الكفر. قوله : (أَوْ كَظُلُماتٍ) أو للتقسيم ، أي إن أعمال الكافر تنقسم قسمين ، قسم كالسراب وهو العمل الصالح ، وقسم كالظلمات وهو العمل السيىء ، وقوله : (أَوْ كَظُلُماتٍ) معطوف على قوله : (كَسَرابٍ) على حذف مضاف تقديره أو كذي ظلمات يدل عليه قوله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها). قوله : (لُجِّيٍ) منسوب للج أو للجة ، وهو الماء الغزير. قوله : (يَغْشاهُ مَوْجٌ) الخ ، أي يعلوه ، وهو إشارة إلى كثرة الأمواج وتراكمها ، والمعنى أن البحر اللجي يكون باطنه مظلما بسبب غزارة الماء ، فإذا ترادفت الأمواج ازدادت الظلمة ، فإذا كان مع ذلك سحاب ، ازدادت الظلمة جدا ، ووجه الشبه أن الله تعالى ذكر ثلاث ظلمات : ظلمة البحر والأمواج والسحاب ، كذلك الكافر له ثلاث ظلمات : ظلمة الاعتقاد ، وظلمة القول ، وظلمة الفعل. قوله : (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) أي قد غطى أنوار النجوم. قوله : (هذه) (ظُلُماتٌ) أشار بذلك إلى أن قوله : (ظُلُماتٌ) خبر لمحذوف. قوله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) خصها لأنها أقرب الأشياء اليه. قوله : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) استفيد من هذا أن النور ليس بالحول ولا بالقوة ، بل بفضل الله يعطيه لمن يشاء ، والمعنى من لم يجعل الله له دينا وإيمانا ، فلا دين له. قوله : (أَلَمْ تَرَ) الخطاب لكل عاقل ، وهو توبيخ للكفار ، كأن الله يقول لهم : إن تسبيحي ليس قاصرا عليكم ، بل جميع من في السماوات والأرض يسبحونني. قوله : (ومن التسبيح صلاة) ذكر ذلك توطئة لقوله : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) ، فالصلاة مندرجة في عموم التسبيح.