بَرَدٍ) أي بعضه (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ) يقرب (سَنا بَرْقِهِ) لمعانه (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (٤٣) الناظرة له أي يخطفها (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي يأتي بكل منهما بدل الآخر (إِنَّ فِي ذلِكَ) التقليب (لَعِبْرَةً) دلالة (لِأُولِي الْأَبْصارِ) (٤٤) لأصحاب البصائر على قدرة الله تعالى (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) أي حيوان (مِنْ ماءٍ) أي نطفة (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) كالحيات والهوام (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) كالإنسان والطير (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كالبهائم والنعام (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٥) (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) أي بينات هي القرآن (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ) طريق (مُسْتَقِيمٍ) (٤٦) أي دين الإسلام
____________________________________
قوله : (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بالبرد. قوله : (سَنا بَرْقِهِ) هو بالقصر في قراءة العامة معناه الضياء ، وأما بالمد فمعناه الرفعة ، وليس مرادا. قوله : (أي يخطفها) أشار بذلك إلى أن الباء في الأبصار للتعدية ، والمعنى يذهبها بسرعة ، لأن الضوء القوي يذهب الضعيف ، ومن ذلك قول الفقهاء : إذا فعل رجل بآخر فعلا أذهب بصره ، وأريد أن يقتص منه بإذهاب بصره ، فإنه يؤتى له بمرآة وتوضع في الشمس ، ويجلس الشخص قبالتها ، وتقلب المرآة يمينا وشمالا ، فإن ذلك يخطف بصره. قوله : (أي ويأتي بكل منها بدل الآخر) أي ويقصر هذا ويطول هذا ، وفي هذا رد على من ينسب الأمور للدهر.
قوله : (لِأُولِي الْأَبْصارِ) جمع بصيرة ، وخصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك ، حيث يتأملون فيجدون الماء والنور والنار والظلمة تخرج من شيء واحد ، فسبحان القادر على كل شيء. قوله : (على قدرة الله) متعلق بدلالة. قوله : (أي حيوان) أشار بذلك إلى أن المراد بالدابة ، ما دب على وجه الأرض ، لا خصوص ذوات الأربع. قوله : (أي نطفة) هذا بحسب الغالب في الحيوانات الأرضية ، وإلا فالملائكة خلقوا من النور ، والجن خلقوا من النار ، وآدم خلق من الطين ، وعيسى خلق من النفس الذي نفخه جبريل في جيب أمه ، والدود تخلق من الفاكهة والعفونات ، وقيل المراد بالماء حقيقته لما ورد : أن الله خلق ماء ، وجعل بعضه ريحا ونورا ، فخلق منه الملائكة ، وجعل بعضه نارا فخلق منه الجن ، وجعل بعضه طينا فخلق منه آدم.
قوله : (فَمِنْهُمْ) الضمير راجع لكل باعتبار معناه ، وفيه تغليب العاقل على غيره ، حيث أتى بضمير جماعة الذكور العقلاء في الجميع. قوله : (مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) قدمه لغرابته وسماه مشيا مشاكلة لما بعده ، وإلا فهو زحف. قوله : (كالحيات والهوام) بالتشديد أي خشاش الأرض ، وأدخلت الكاف الدود والسمك. قوله : (كالإنسان والطير) أي والنعام. قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) أي ومنهم من يمشي على أكثر ، كالعقارب والعنكبوت والحيوان المعروف بأم أربع وأربعين ، وإنما لم يصرح بهذا القسم لندوره ولدخوله في قوله : (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ). قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي مما ذكر ومما لم يذكر.
قوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا) اللام موطئة لقسم محذوف ، أي والله لقد أنزلنا ، الخ ، قوله : (مُبَيِّناتٍ) بكسر الياء وفتحها قراءتان سبعيتان. قوله : (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أشار بذلك إلى أن الهدى بيد الله