ويناسبه ذكر المبدإ بعده (وَ) الله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) آدم (مِنْ سُلالَةٍ) هي من سللت الشيء من الشيء أي استخرجته منه وهو خلاصته (مِنْ طِينٍ) (١٢) متعلق بسلالة (ثُمَّ جَعَلْناهُ) أي الإنسان نسل آدم (نُطْفَةً) منيا (فِي قَرارٍ مَكِينٍ) (١٣) هو الرحم (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) دما جامدا (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) لحما قدر ما يمضغ (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) وفي قراءة عظما في الموضعين وخلقنا في المواضع الثلاث بمعنى صيرنا (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) بنفخ الروح فيه (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤) أي المقدرين ، ومميز أحسن محذوف للعلم به أي
____________________________________
(ويناسبه ذكر المبدإ بعده) أشار بذلك إلى وجه المناسبة بين هذه الآية وما قبلها ، والمعنى أن الآية التي سبقت ، ذكر فيها المعاد وما يؤول إليه أمر من اتصف بتلك الصفات ، وهذه الآية ذكر فيها بيان المبدإ ، وحينئذ فبين الآيتين مناسبة ، وهذا أتم مما قيل ، إن هذه الآية جملة مستأنفة لا ارتباط لها بما قبلها.
قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) الخ ، ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات من هنا إلى قوله : (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أربعة أنواع من دلائل قدرته تعالى ، الأول : تقلب الانسان في أطوار خلقته وهي تسعة آخرها قوله : (تبعثون) الثاني : خلق السماوات. الثالث : إنزال الماء. الرابع : منافع الحيوانات. وذكر منها أربعة أنواع ، واللام موطئة لقسم محذوف قدره المفسر بقوله : (والله). قوله : (مِنْ سُلالَةٍ) متعلق بخلقنا. قوله : (متعلق بسلالة) أي لأنه بمعنى مسلول. قوله : (أي الإنسان نسل آدم) أشار بذلك إلى أن الضمير يعود على الانسان ، لكن لا بالمعنى الأول ، وحينئذ ففي الكلام استخدام ، ويؤيده قوله تعالى في الآية الأخرى : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ). قوله : (فِي قَرارٍ مَكِينٍ) أي في مقر متمكن. وصف بذلك لأنه محفوظ ، لا يطرأ عليه اختلال مع كونه ضيقا.
قوله : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) قيل كلها ، وقيل جزء منها ، والباقي يوضع نصفه في موضع تربته ، والنصف الثاني يوضع في السماء ، فإذا أراد الله إحياء الخلق من القبور ، أمطرت السماء منيا ، فتتلاقى النطف النازلة من السماء ، بالنطف الباقية في الأرض ، فتوجد الخلائق بينهما ، وهذا هو حكمة قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ). قوله : (وفي قراءة عظما) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أي من غير توان ، والمعنى حولنا النطفة عن صفاتها ، إلى صفة لا يحيط بها وصف الواصفين. قوله : (بنفخ الروح فيه) هذا قول ابن عباس والشعبي والضحاك ، وقيل الخلق الآخر هو خروجه إلى الدنيا ، وقيل خروج أسنانه وشعره ، وقيل كمال شبابه ، والأتم أنه عام في هذا وغيره من النطق والادراك وتحصيل المعقولات ، وجميع الأمور التي اشتمل عليها بنو آدم ، من الكمالات الحسية : والمعنوية التي يشير لها قول بعض العارفين.
وتحسب أنك جرم صغير |
|
وفيك انطوى العالم الأكبر |
قوله : (فَتَبارَكَ اللهُ) أي تعاظم وارتفع قدره. قوله : (المقدرين) أي المصورين ، ودفع بذلك ما يقال : إن اسم التفضيل يقتضي المشاركة ، مع أنه لا خالق غيره. فأجاب : بأن المراد بالخلق التقدير لا