لا أهل بها (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي قولوا السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإن الملائكة ترد عليكم وإن كان بها أهل فسلموا عليهم (تَحِيَّةً) مصدر حيا (مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) يثاب عليها (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي يفصل لكم معالم دينكم (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٦١) لكي تفهموا ذلك (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ) أي الرسول (عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) كخطبة الجمعة (لَمْ يَذْهَبُوا) لعروض عذر لهم (حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) أمرهم (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) بالانصراف (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦٢) (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ
____________________________________
فسلموا ، من باب جلست قعودا وقمت وقوفا. قوله : (مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي ثابتة بأمره. قوله : (مُبارَكَةً) أي لأنه يرجى بها زيادة الخير والثواب. قوله : (ولكي تفهموا ذلك) أي معالم دينكم فهذا أمر إرشاد وأدب للعباد.
قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) الخ ، المقصود من هذه الآية ، مدح المؤمنين الخالصين ، والتعريض بذم المنافقين ، و (إِنَّمَا) أداة حصر ، و (الْمُؤْمِنُونَ) مبتدأ ، وقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) خبره. قوله : (عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) إسناد الجمع للأمر مجاز عقلي ، وحقه أن يسند للمؤمنين. قوله : (كخطبة الجمعة) أي والأعياد والحروب والحديث وغير ذلك ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة ، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر ، لم يخرج حتى يقوم تجاه النبي صلىاللهعليهوسلم بحيث يراه ، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن ، فيأذن لمن يشاء منهم. قوله : (حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) أي يطلبوا منه الإذن فيأذن لهم.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) الخ ، هذا توكيد لما تقدم ، ذكر تفخيما وتعظيما للاستئذان. قوله : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) أي كما وقع لسيدنا عمر بن الخطاب حين خرج مع النبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ، حيث استأذن الرسول في الرجوع إلى أهله ، فأذن له النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : ارجع فلست بمنافق ، وكتخلف عثمان لتجهيز زوجته بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين ماتت ، والنبي صلىاللهعليهوسلم متجهز لغزوة بدر. قوله : (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) في ذلك تفويض الأمر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأنه الواسطة العظمى بين الخلق وربهم ، فإذا أذن لأحد ، علم من ذلك أن رضا الله في إذنه ، قال العارف :
وخصك بالهدى في كل أمر |
|
فلست تشاء إلا ما يشاء |
قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) أي ليعوّضهم بدل ما فاتهم من مجالستك ، من أجل العذر الذي نزل بهم. قوله : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ) أي نداءه بمعنى لا تنادوه باسمه فتقولوا : يا محمد ، ولا بكنيته فتقولوا : يا أبا القاسم ، بل نادوه وخاطبوه بالتعظيم والتكريم والتوقير بأن تقولوا : يا رسول الله ، يا إمام المرسلين ، يا رسول رب العالمين ، يا خاتم النبيين ، وغير ذلك ، واستفيد من الآية أنه لا يجوز نداء النبي بغير ما يفيد التعظيم ، لا في حياته ولا بعد وفاته ، فبهذا يعلم أن من استخف بجنابه صلىاللهعليهوسلم فهو كافر ملعون في الدنيا والآخرة. قوله : (وخفض صوت) أي لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا