مخوفا من عذاب الله (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) من شأنه أن يخلق (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (٢) سوّاه تسوية (وَاتَّخَذُوا) أي الكفار (مِنْ دُونِهِ) أي الله أي غيره (آلِهَةً) هي الأصنام (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ
____________________________________
معجز للبشر ، وفارق بين الحق والباطل ، كلا أو بعضا ، ويصح أن يراد به جملة القرآن ، ويكون نزل مستعملا في حقيقته ، بالنسبة لما نزل إذ ذاك ، وبمعنى المستقبل بالنسبة لما سينزل. قوله : (لأنه فرق بين الحق والباطل) أي ميز بينهما ، وقيل لأنه نزل مفرّقا في أوقات كثيرة.
قوله : (عَلى عَبْدِهِ) إنما وصفه بهذا الوصف ، لأنه أشرف الأوصاف وأعلاها. قوله : (لِيَكُونَ) علة لقوله : (نَزَّلَ) والضمير عائد على النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأنه أكبر مذكور ، ويصح أن يكون عائدا على الفرقان ، أو المنزل ، وهو الله تعالى ، والأوضح الأول. قوله : (دون الملائكة) أشار بذلك إلى أن الإنذار خاص بالإنس والجن ، لأن الملائكة لا تجوز عليهم المعاصي والمخالفة لعصمتهم من ذلك ، وإن كان النبي عليه الصلاة والسّلام أرسل لهم إرسال تكليف بما يليق بهم على المعتمد. والحاصل : أن إرسال النبي صلىاللهعليهوسلم للثقلين إرسال تكليف ، وكذا للملائكة ، وأما للحيوانات التي لا تعقل والجمادات فإرسال تشريف. قوله : (نَذِيراً) أي وبشيرا ، وإنما اقتصر على الإنذار ، لأن السورة مكية ، وفي ذلك الوقت لم يصلحوا للتبشير.
قوله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) نعت للموصول الأول ، أو بيان أو بدل أو خبر لمحذوف ، أي هو الذي ، أو منصوب على المدح ، وما بعده من تمام الصلة ، فلا يلزم عليه الفصل بأجنبي بين الموصول الأول والثاني ، على جعله تابعا له. قوله : (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) رد على اليهود والنصارى. قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) رد على على عباد الأصنام. قوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) كالدليل لما قبله ، لأن الخالق لكل شيء لا شريك له ولم يتخذ ولدا. قوله : (من شأنه أن يخلق) دفع بذلك ما يقال : إنه دخل في الشيء ذاته تعالى وصفاته. فأجاب : بأن المراد بالشيء ما شأنه أن يتعلق به الخلق ، وهو المعدوم. قوله : (سواه تسوية) أي عدله تعديلا ، بأن جعله على شكل حسن ، ودفع بذلك ما قيل : إن الآية فيها قلب ، لأن الخلق متأخر عن التقدير ، لأن التقدير أزلي ، لأنه تعلق العلم والارادة الأزلي ، والخلق حادث لأنه تعلق القدرة التنجيزي الحادث ، فأجاب : بأن التقدير معناه التصوير على شكل حسن ، ولا شك أن ذلك حاصل بعد إيجاده على طبق العلم والإرادة ، وهذا سر قول الغزالي : ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لأن ما أوجده الله من المخلوقات تعلق به العلم والإرادة أزلا ، فوجد على طبق ذلك ، فإذا كان كذلك ، كان التغيير لذلك مستحيلا ، لأنه حينئذ ينقلب علم الله جهلا ، وهو لا تتعلق به القدرة. إن قلت : يشكل على هذا قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) وقوله تعالى : (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) فإنه يقتضي أن في قدرة الله إذهاب هذا العالم والإتيان بغيره. أجيب : بأن ما في الآية باعتبار التعلق الصلاحي للقدرة والتجويز العقلي ، وما قاله الغزالي باعتبار التعلق التنجيزي الذي حصل متعلقه. قوله : (أي الكفار) أي المعلومون من قوله : (لِلْعالَمِينَ).
قوله : (آلِهَةً) وصفهم بسبعة أوصاف ، أولها قوله : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) وآخرها قوله :