علينا بها (وَقالَ الظَّالِمُونَ) أي الكافرون للمؤمنين (إِنْ) ما (تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (٨) مخدوعا مغلوبا على عقله ، قال تعالى (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) بالمسحور والمحتاج إلى ما ينفه وإلى ملك يقوم معه بالأمر (فَضَلُّوا) بذلك عن الهدى (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) (٩) طريقا إليه (تَبارَكَ) تكاثر خير الله (الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) الذي قالوه من الكنز والبستان (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي في الدنيا لأنه شاء أن يعطيه إياها في الآخرة (وَيَجْعَلْ) بالجزم (لَكَ قُصُوراً) (١٠) أيضا ، وفي قراءة بالرفع استئنافا (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) القيامة (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) (١١) نارا مسعرة أي مشتدة (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
____________________________________
قوله : (وَقالَ الظَّالِمُونَ) إظهار في موضع الإضمار ، للإشعار بوصف الظلم وتجاوز الحد فيما قالوا : قوله : (مخدوعا مغلوبا على عقله) أي فالمراد بالسحر الاختلال في العقل ، من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم. قوله : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) خطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم على سبيل الاستفهام التعجبي ، أي تعجب يا محمد من وصف هؤلاء لك بتلك الأوصاف التي كانت سببا في ضلالهم. قوله : (فَضَلُّوا) (بذلك) أي ضرب الأمثال. قوله : (عن الهدى) أي الحق. قوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) أي لا يقدرون على الوصول إلى الهدى ، لما طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم.
قوله : (تَبارَكَ) اعلم أن هذا الوصف جامع لكل كمال مستلزم لنفي كل نقص ، وحينئذ فيحسن تفسيره في كل مقام بما يناسبه ، فلما كان ما تقدم من مقام تنزيه فسره بتعالى ، ولما كان ما هنا مقام إعطاء ، فسره بتكاثر خيره ، ولما كان ما يأتي في آخر السورة مقام عظمة وكبرياء ، فسره بتعاظم ، وهكذا يقال في كل مقام. قوله : (خَيْراً مِنْ ذلِكَ) أي مما اقترحوا بأن يعجل لك أعظم من ذلك في الدنيا.
قوله : (جَنَّاتٍ) بدل من (خَيْراً). قوله : (لأنه شاء أن يعطيه إياها في الآخرة) علة لقوله : (أي في الدنيا) والمعنى تكاثر خير الله الذي إن شاء جعل لك خيرا مما تمنوه لك في الدنيا وإنما لم تتعلق إرادة الله به لكونه فانيا ، والله سبحانه وتعالى لم يجعل الفاني جزاء لأحبابه ، لأن الدنيا دار ممر لا مقر ، حلالها حساب ، وحرامها عقاب ، وحاشاه سبحانه وتعالى ، أن يوقع حبيبه ومن كان على قدمه في الحساب أو العقاب. قوله : (بالجزم) أي عطفا على محل (جَعَلَ) لأنه جواب الشرط ، والمعطوف على الجواب جواب. قوله : (بالرفع استئنافا) أي أو معطوف على جواب الشرط ، بناء على أنه غير مجزوم لقول مالك : وبعد ماض رفعك الجزم حسن. وإنما لم يجزم لضعف تأثير إن في الشرط ، لكونه ماضيا فارتفع ، والقراءتان سبعيتان. قوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) إضراب انتقالي عن ذكر قبائحهم ، إلى بيان ما لهم في الآخرة من أنواع العذاب. قوله : (وَأَعْتَدْنا) أي هيأنا وأحضرنا ، وفي هذا دليل على أن النار مخلوقة الآن ، كما أن الجنة كذلك ، لقوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). قوله : (نارا مسعرة) بالتشديد والتخفيف.
قوله : (إِذا رَأَتْهُمْ) أي حقيقة بعينها لما في الحديث : «من كذب علي متعمدا ، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا ، قيل يا رسول الله أو لها عينان؟ قال أما سمعتم الله عزوجل يقول : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ