خلقا (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) (١٥) (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (١٦) للحساب والجزاء (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) أي سبع سماوات جمع طريقة لأنها طرق الملائكة (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ) تحتها (غافِلِينَ) (١٧) أن تسقط عليهم فتهلكهم بل نمسكها كآية (ويمسك السماء أن تقع على الأرض) (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) من كفايتهم (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (١٨) فيموتون مع دوابهم عطشا (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) هما أكثر فواكه العرب (لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (١٩) صيفا وشتاء (وَ) أنشأنا (شَجَرَةً تَخْرُجُ
____________________________________
الإيجاد والإبداع ، والتقدير حاصل من الحوادث. قوله : (للعلم به) أي من قوله الخالقين فإنه يدل عليه. قوله : (بَعْدَ ذلِكَ) أي من الأمور العجيبة. قوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي عند النفخة الثانية. إن قلت : ما حكمة اختلاف المتعاطفات بثم والفاء ، لأنه ورد أن مدة كل طور أربعون يوما ، فإن نظر لآخر المدة وأولها ، اقتضى أن يعطف بثم ، وإن نظر لآخرها ، اقتضى أن يعطف بالفاء؟ أجيب : بأنه نزل التفاوت بين الأطوار منزلة التراخي والبعد الحسي ، لأن حصول النطفة من التراب غريب جدا ، وكذا جعلها دما ، بخلاف جعل الدم لحما ، فهو قريب لمشابهته في اللون أو الصورة ، وكذا جعلها عظاما ، وأما جعلها خلقا آخر فغريب ، وكذا الموت والبعث ، فظهر حكمة التعبير في كل موضع بما يناسبه.
قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ) المراد به جهة العلو ، لأن كونها فوق ، وإنما هو بعد خلق الخلق ، وإلا فوقت خلق السماوات لم يكونوا مخلوقين. قوله : (لأنها طرق الملائكة) أي في العروج والهبوط والطيران ، وقيل معنى طرائق مطروقات ، أي موضوعا بعضها فوق بعض ، فهو معنى طباقا في الآية الأخرى. قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ) الجار والمجرور متعلق بأنزلنا. قوله : (بِقَدَرٍ) أي تقدير بجلب منافعهم ودفع مضارهم ، وقيل المعنى بقدر حاجاتهم ، واليه يشير المفسر.
قوله : (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) أي جعلناه ساكنا ثابتا مستقرا في الأرض ، بعضه على ظهرها ، وبعضه في بطنها. قوله : (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) الباء في (بِهِ) للتعدية ، والمعنى وإنا لقادرون على إذهابه. روى الشيخان عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إن الله عزوجل ، أنزل من الجنة خمسة أنهار : سيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل ، أنزلها الله عزوجل من عين واحدة من عيون الجنة ، من أسفل درجة من درجاتها ، على جناحي جبريل ، استودعها الجبال وأجراها في الأرض ، وجعل فيها منافع للناس ، فذلك قول تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج ، أرسل الله عزوجل جبريل ، فرفع من الأرض القرآن والعلم كله ، والحجر الأسود من ركن البيت ، ومقام إبراهيم ، وتابوت موسى بما فيه ، وهذه الأنهار الخمسة فيرفع ذلك إلى السماء ، فذلك قوله تعالى : (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) فإذا رفعت هذه الأشياء كلها من الأرض ، فقد أهلها خير الدنيا والدين. قوله : (لَكُمْ فِيها) أي الجنات. قوله : (وَمِنْها) أي من ثمر الجنات ، كالرطب والعنب والتمر والزبيب وغير ذلك.