زائدة لتأكيد النفي ، وما قبله الثاني فكيف نأمر بعبادتنا (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ) من قبلهم بإطالة العمر وسعة الرزق (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) (١٨) هلكى ، قال تعالى (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) أي كذب المعبودون العابدين (بِما تَقُولُونَ) بالفوقانية أنهم آلهة (فَما تَسْتَطِيعُونَ) بالتحتانية والفوقانية أي لا هم ولا أنتم (صَرْفاً) دفعا للعذاب (وَلا نَصْراً) منعا لكم منه (وَمَنْ يَظْلِمْ) يشرك (مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) (١٩) شديدا في الآخرة (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) فأنت مثلهم في ذلك وقد قيل لهم مثل ما قيل لك (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) بلية ابتلي الغني بالفقير
____________________________________
قوله : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ) الخ ، استدراك لرفع ما يتوهم ثبوته ، والمعنى أنت أنعمت عليهم بنعم عظيمة ، فجعلوا ذلك سببا للضلال ، وليس لنا مدخل في ذلك ، وفي هذا الاستدراك رجوع للحقيقة. قوله : (تركوا الموعظة) أي غفلوا عن التذكر في آياتك ، فالنسيان معناه الترك. قوله : (بُوراً) يحتمل أنه جمع بائرا ، ومصدر من البوار وهو الهلاك. قوله : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) خطاب للعابدين فالواو واقعة على المعبودين ، والكاف على العابدين ، وقوله : (بِما تَقُولُونَ) أي فيما تقولون ، وقوله : (بالفوقانية) أي باتفاق العشرة ، وقوله : (إنهم آلهة) مقول القول. قوله : (أي لا هم) راجع للتحتانية ، وقوله : (ولا أنتم) راجع للفوقانية.
قوله : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) أي أيها المكلفون من العابدين والمعبودين ، فظلم العابد بعبادته غير الله ، وظلم المعبود برضاه بذلك. قوله : (نُذِقْهُ) بنون العظمة في قراءة العامة. قوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) الخ ، المقصود من هذه الآية ، تسليته للنبي صلىاللهعليهوسلم والرد على المشركين حيث قالوا : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) الخ. قوله : (إِلَّا إِنَّهُمْ) الجملة حالية ، وإن مكسورة باتفاق القراء ، واللام للابتداء زحلقت للخبر. والمعنى ما أرسلنا قبلك من المرسلين في حال من الأحوال ، إلا في حالة أكلهم الطعام ، ومشيهم في الأسواق ، أي فهذه عادتهم ودأبهم ، فإن هجوك بذلك فقد هجوا جميع الأنبياء فلا تحزن.
قوله : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أي إن الدنيا دار بلاء وامتحان ، فجعل بعض العبيد فتنة لبعض ، ليظهر الصابر من غيره. قوله : (ابتلي الغني بالفقير) الخ ، فالغني ممتحن بالفقير يحسده ، والفقير ممتحن بالغني يسخر به ويحتقره ، والصحيح ممتحن بالمريض. يقول : لم لم نعاف ، ونصير مثل هذا ، والمريض ممتحن بالصحيح يتكبر عليه ويغتر بصحته ، والشريف كالأنبياء والعلماء والصلحاء ، ممتحن بالوضيع يحسده على ما أعطاه الله وهكذا ، والمخلص من ذلك الصبر على أحكام الله والرضا بها ، لأن الواجب على الإنسان أن ينظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه ، ولا ينظر إلى من هو فوقه ، لئلا يزدري نعمة الله عليه ، وفي أمور الآخرة إلى من هو فوقه ، ليصرف نفسه فيرجع عليها باللوم والندم ، ومن هنا ينبغي صحبة الصالحين والمساكين ومرافقتهم ليقتدى بهم. قوله : (يقول الثاني) أي الفقير والمريض والوضيع ، وقوله : (في كل) أي من الأقسام الثلاثة ، وبالجملة فالفتنة أن يحسد المعافى المبتلى ، والصبر أن يحبس كل