والصحيح بالمريض والشريف بالوضيع يقول الثاني في كل ما لي لا أكون كالأول في كل (أَتَصْبِرُونَ) على ما تسمعون ممن ابتليتم بهم؟ استفهام بمعنى الأمر أي اصبروا (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (٢٠) بمن يصبر وبمن يجزع (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) لا يخافون البعث (لَوْ لا) هلا (أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) فكانوا رسلا إلينا (أَوْ نَرى رَبَّنا) فنخبر بأن محمدا رسوله ، قال تعالى (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) تكبروا (فِي) شأن (أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا) طغوا (عُتُوًّا كَبِيراً) (٢١) بطلبهم رؤية الله تعالى في الدنيا ، وعتوا بالواو على أصله بخلاف عتيا بالإبدال في مريم (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) في جملة الخلائق يوم القيامة ، ونصبه باذكر مقدرا (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) أي الكافرين
____________________________________
منهما نفسه ، هذا عن البطر ، وهذا عن الضجر ، عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ويل للعالم من الجاهل ، وويل للجاهل من العالم ، وويل للمالك من المملوك ، وويل للمملوك من المالك ، وويل للشديد من الضعيف ، وويل للضعيف من الشديد ، وويل للسلطان من الرعية ، وويل للرعية من السلطان ، بعضكم لبعض فتنة» ، وهو قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ). قوله : (استفهام بمعنى الأمر) هذا أحد وجهين ، والوجه الآخر أن الاستفهام على حقيقته ، أي لينظر أيحصل منكم صبر أم لا ، فيجازيكم على ذلك.
قوله : (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) في ذلك تأنيس للعبد ، أي إن الله بصير ومطلع على من يصبر ومن يجزع ، فلا تنبغي الشكوى للخلق ، ولا إظهار ما في القلوب ، بل إن وجد الشخص في نفسه صبرا فليشكر الله ، وإن وجد غير ذلك ، فعليه أن يرجع إلى ربه بالندم والتوبة. قوله : (لا يخافون البعث) أي لأنهم منكرون له. فهم يزعمون أنهم آمنون منه. قوله : (هلا) أشار بذلك إلى أن (لَوْ لا) تحضيضية. قوله : (فكانوا رسلا الينا) أي بالشرائع ونحوها بدل محمد.
قوله : (أَوْ نَرى رَبَّنا) أي يكشف الحجاب لنا فنراه عيانا. قوله : (فنخبر) بالبناء للمفعول أي يخبرنا هو بأن محمدا رسوله. قوله : (قال تعالى) أي ردا عليهم مقالتهم. قوله : (تكبروا) أي حيث لم يرضوا بأن يكون رسولهم من البشر ، بل طمعوا أن يكون من الملائكة. قوله : (فِي) (شأن) (أَنْفُسِهِمْ) أي أنهم عدوا أنفسهم كبيرة لأمر قام بها. قوله : (بطلبهم رؤية الله) متعلق بعتوا والباء للسببية ، ولم يذكر متعلق (اسْتَكْبَرُوا) وقد علمته ، وفي الآية لف ونشر مرتب ، فالاستكبار راجع لطلبهم نزول الملائكة ، والعتق راجع لطلبهم رؤية الله. قوله : (على أصله) أي من غير إبدال. قوله : (بالإبدال في مريم) أي لمناسبة رؤوس الآي ، وأصله عتووا ، كسرت التاء فوقعت الواو ساكنة إثر كسرة قلبت ياء ، ثم اجتمعت الواو والياء ، وسبقت إحداهما بالسكون ، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء.
قوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) أي المتولين عذابهم. قوله : (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ) هذه الجملة مقولة لقول محذوف حال من الملائكة ، تقديره قائلين لهم لا بشرى. قوله : (فلهم البشرى بالجنة) أي لقوله تعالى : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). قوله : (وَيَقُولُونَ) معطوف على (يَرَوْنَ) فالضمير للكفار. قوله : (حِجْراً مَحْجُوراً) العامة على كسر الحاء ، وقرىء شذوذا بفتحها وضمها.