بخلاف المؤمنين فلهم البشرى بالجنة (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (٢٢) على عادتهم في الدنيا إذا نزلت بهم شدة أي عوذا معاذا يستعيذون من الملائكة ، قال تعالى (وَقَدِمْنا) عمدنا (إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) من الخير كصدقة وصلة رحم وقرى ضيف وإغاثة ملهوف في الدنيا (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٢٣) هو ما يرى في الكوى التي عليها الشمس كالغبار المفرق أي مثله في عدم النفع به إذ لا ثواب فيه لعدم شرطه ويجازون عليه في الدنيا (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) من الكافرين في الدنيا (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (٢٤) منهم أي موضع قائلة فيها وهي الاستراحة نصف النهار في الحر ، وأخذ من ذلك انقضاء الحساب في نصف نهار كما ورد في حديث (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ) أي كل سماء (بِالْغَمامِ) أي معه ، وهو غيم أبيض (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ) من كل سماء
____________________________________
قوله : (يستعيذون من الملائكة) أي يطلبون من الله إنقاذهم منهم بهذه العبارة. قوله : (عمدنا) أي تعلقت إرادتنا ، ودفع بذلك ما قيل إن القدوم من صفات الحوادث ، وهو محال على الله تعالى ، ففسره بلازمه وهو القصد ، والمراد من القصد في حقه تعالى ، تعلق إرادته بالشيء. قوله : (وقرى ضيف) بكسر القاف مع القصر ، أو فتحها مع المد ، ومعناه الإحسان اليه. قوله : (في الدنيا) متعلق بعملوا. قوله : (في الكوى) جمع كوة وهي الطاقة في الحائط ، بفتح الكاف وضمها. قوله : (لعدم شرطه) أي وهو الإيمان. قوله : (ويجازون عليه في الدنيا) أي بإعطاء المال والولد والعافية وغير ذلك من ملاذ الدنيا ، فأعمال الكافر الحسنة التي لا تتوقف على نية ، يعطى جزاءها في الدنيا ، وأما ما تتوقف على نية ، فلا يجد لها جزاء أصلا لعدم صحتها.
قوله : (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) (من الكافرين) أي أن مستقر المؤمنين في الجنة ، خير من مستقر الكافرين في الدنيا ، فأفعل التفضيل على بابه ، وإلى هذا أشار المفسر بقوله : (في الدنيا) فهو جواب عما يقال : إن مستقر أهل النار لا خير فيه ، ويصح أن يراد استقرار كل في الآخرة ، والتفضيل ليس مرادا ، بل المقصود التقريع والتوبيخ للكفار. قوله : (من ذلك) أي من قوله : (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) قوله : (كما ورد في الحديث) قال ابن مسعود : لا ينتصف النهار يوم القيامة ، حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، والقيلولة الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن مع ذلك نوم ، لأن الله تعالى قال : (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) والجنة لا نوم فيها ، ويروى أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين ، حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس.
قوله : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ يَوْمَ) ظرف معمول لمحذوف تقديره اذكر كما قاله المفسر. قوله : (أي كل سماء) أشار إلى أن أل في السماء استغراقية. قوله : (أي معه) أشار بذلك إلى أن الباء بمعنى مع ، ويصح أن تكون للسببية أو للملابسة ، أو بمعنى عن. قوله : (وهو غيم أبيض) أي سحاب فوق السماوات السبع ، ثخنه كثخن السماوات السبع ، وثقله كثقلها ، فينزل على السماء السابعة فيخرقها بثقله ، وهكذا حتى ينزل إلى الأرض ، وفيه ملائكة كل سماء ، فينزل أولا ملائكة سماء الدنيا ، وهم مثل الأرض عشر مرات ، ثم ملائكة السماء الثانية ، وهم مثلهم عشرين مرة وهكذا ، وإذ نزل ملائكة السماء الدنيا ، اصطفوا حول العالم المجموع في الحشر صفا ، وإذا نزل ملائكة السماء الثانية ، اصطفوا خلف هذا الصف