(تَنْزِيلاً) (٢٥) هو يوم القيامة ، ونصبه باذكر مقدرا ، وفي قراءة بتشديد شين تشقق بإدغام التاء الثانية في الأصل ، وفي أخرى وننزل بنونين الثانية ساكنة وضم اللام ونصب الملائكة (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) لا يشركه فيه أحد (وَكانَ) اليوم (يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) (٢٦) بخلاف المؤمنين (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) المشرك عقبة بن أبي معيط كان نطق بالشهادتين ثم رجع إرضاء لأبي ابن خلف (عَلى يَدَيْهِ) ندما وتحسرا في يوم القيامة (يَقُولُ يا) للتنبيه (لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
____________________________________
صفا آخر ، وهكذا حتى تصير الصفوف سبعة ، كلهم يحرسون أهل المحشر من الفرار ، ويطردون عنهم النار ، وتقدم بسط ذلك في سورة إبراهيم عند قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) الخ ، قوله : (ونصبه باذكر مقدرا) أي وهو معطوف على (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) وكذا قوله : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ). قوله : (في الأصل) أي قبل قلبها شينا وتسكينها وإدغامها في الشين. قوله : (وفي أخرى وننزل بنونين) الخ ، هذه القراءة إنما تأتي عند تشديد الشين ، فتحصل أن القراءات ثلاث سبعيات ، فعند تشديد الشين يجوز في ننزل القراءتان ، وعند التخفيف يجوز في ننزل قراءة واحدة ، وهي كونه ماضيا مبنيا للمفعول ، خلافا لما يوهمه المفسر من أنها أربع قراءات.
قوله : (الْمُلْكُ) مبتدأ ، و (يَوْمَئِذٍ) ظرف له ، و (الْحَقُ) نعت له ، و (لِلرَّحْمنِ) خبره. والمعنى أن الملك يوم القيامة لله وحده ، وحكمة التقييد بهذا اليوم ، وإن كان الملك لله في كل زمن ؛ أن ثبوت الملك له خاصة في ذلك اليوم ، فليس لأحد ملك ظاهر أبدا ، وأما فيما عداه من أيام الدنيا ، فيكون للخلق تصرف صوري ، وإلى هذا أشار المفسر بقوله : (لا يشركه فيه أحد). قوله : (بخلاف المؤمنين) أي فليس عليهم عسيرا لما ورد : أنه يهون عليهم حتى يكون أخف من صلاة مكتوبة.
قوله : (وَيَوْمَ) منصوب باذكر ، أو معطوف على (يَوْمَ يَرَوْنَ) كما تقدم. قوله : (يَعَضُّ الظَّالِمُ) هو من باب تعب ونفع. والمعنى أن الكافر حين يرى النار ويسمع تغيظها وزفيرها يعض على يديه ، قال عطاء : يأكل الظالم يديه حتى يأكل مرفقيه ، ثم ينبتان ، ثم يأكلهما ، وهكذا كلما نبتت يداه يأكلهما. قوله : (عقبة بن أبي معيط) أشار المفسر بذلك إلى أن الآية نزلت في ظالم خاص ، ويقاس عليه كل ظالم ، وهو أحد قولين ، وقيل نزلت في الظالمين عموما. قوله : (كان نطق بالشهادتين) الخ ، وذلك أنه صنع طعاما ودعا الناس اليه ، ودعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما قدم الطعام قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما أنا بآكل طعامك ، حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله ، ففعل ، فأكل رسول الله من طعامه ، وكان عقبة صديقا لأبي ابن خلف ، فلما أخبر بذلك قال له : يا عقبة صبأت؟ قال : لا ، ولكن دخل علي رجل ، فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له ، فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم ، فشهدت له فطعم ، فقال : ما أنا راض عنك حتى تأتيه فتبزق في وجهه ، ففعل عقبة ، فعاد بزاقه على وجهه فحرقه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا أراك خارج مكة إلا علوت رأسك بالسيف ، فأسر يوم بدر ، فأمر عليا فقتله ، وطعن النبي أبيا بأحد في المبازر ، فرجع إلى مكة ومات ، وحكم الآية عام في كل صاحبين اجتمعا على معصية الله تعالى لما روي : «يحشر المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل».