المؤمنون (أَرَأَيْتَ) أخبرني (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) أي مهويه قدم المفعول الثاني لأنه أهم ، وجملة من اتخذ مفعول أول لرأيت ، والثاني (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (٤٣) حافظا تحفظه عن اتباع هواه؟ لا (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ) سماع تفهم (أَوْ يَعْقِلُونَ) ما تقول لهم (أَنَ) ما (هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٤٤) أخطأ طريقا منها لأنها تنقاد لمن يتعهدها وهم لا يطيعون مولاهم المنعم عليهم (أَلَمْ تَرَ) تنظر (إِلى) فعل (رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) من وقت الأسفار إلى وقت طلوع الشمس (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) مقيما لا يزول بطلوع الشمس (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ) أي الظل (دَلِيلاً) (٤٥) فلو لا الشمس ما عرف الظل (ثُمَّ قَبَضْناهُ) أي
____________________________________
أَكْثَرَهُمْ) استفيد منه أن الأقل سمع وعقل فآمن. قوله : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) أي في عدم انتفاعهم بالآيات. قوله : (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) أي لأن الأنعام تنقاد لمن يتعهدها ، وتمييز من يحسن اليها ممن يسيء اليها ، وتطلب ما ينفعها وتهرب ما يضر بها ، وهؤلاء ليسوا كذلك.
قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) أقام الله سبحانه وتعالى ، أدلة محسوسة على انفراده تعالى بالألوهية ، وذكر منها خمسة : الأول هذا ، والثاني قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) ، الثالث قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) ، الرابع قوله : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) ، الخامس قوله : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً) ، وهذا الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ولكل عاقل ، فإن من تأمل في تلك الأدلة حق التأمل ، عرف أن موجدها فاعل مختار منفرد بالكمال. قوله : (تنظر) أشار بذلك إلى أن الرؤية بصرية ، فقوله : (كَيْفَ) منصوب بمد على الحال. والمعنى ألم تنظر إلى صنع ربك مد الظل كيف؟ أي على حالة ، وقدر المفسر (فعل) إشارة إلى أن المراد رؤية المصنوعات لا رؤية الذات ، لأن المقصود نصب الأدلة ، ليستدل بها على مؤثرها ، فإن كل صنعة لا بد لها من صانع ، وإن كان يلزم من التفكر في تلك الأشياء رؤية الله بعين القلب ، لأنه لا يغيب عن مخلوقه طرفة عين ، ومن هنا قيل : العارف يرى الله في كل شيء ، فالآثار كالمرآة للناظر ، فمن تأمل فيها رأى مؤثرها ، ولا تحجب إلا من سبقت له الشقاوة. قوله : (من وقت الأسفار) الخ ، المناسب أن يقول : من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، إذ هو أحد أقوال ثلاثة للمفسرين ، ثانيها من غروب الشمس إلى طلوعها ، ثالثها من طلوع الشمس إلى أن تزول ، ومن زوالها إلى غروبها ، وأما ما قاله المفسر ، فلم يوافقه عليه أحد من المفسرين ، وهذا الوقت أعني من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، أطيب الأوقات وأفضلها ، ولذا وصفت به الجنة ، قال تعالى : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) وفيه يجد المريض راحته ، والمسافر وكل ذي علة ، وفيه ترد أرواح الأموات منهم إلى الأجساد ، وطيب نفوس الأحياء ، قال أبو العالية : نهار الجنة هكذا ، وأشار إلى ساعة يصلون صلاة الفجر.
قوله : (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي ثابتا مستقرا لا يذهب عن وجه الأرض. قوله : (لا يزول بطلوع الشمس) أي بأن لا تطلع ، فلا يزول بأن يستمر الليل مقيما ، أو تطلع من غير ضوء. قوله : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) أي الشمس دليلا على الظل ليلا ونهارا ، فالمراد بالظل ما قابل نور الشمس ، وكل من الظل ونور الشمس عرض لقيامه بغير ، وأما ذات الشمس فجوهر. قوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً