بَرْزَخاً) حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر (وَحِجْراً مَحْجُوراً) (٥٣) أي سترا ممنوعا به اختلاطهما (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً) من المني إنسانا (فَجَعَلَهُ نَسَباً) ذا نسب (وَصِهْراً) ذا صهر بأن يتزوج ذكرا كان أو أنثى طلبا للتناسل (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (٥٤) قادرا على ما يشاء (وَيَعْبُدُونَ) أي الكفار (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ) بعبادته (وَلا يَضُرُّهُمْ) بتركها وهو الأصنام (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) (٥٥) معينا للشيطان بطاعته (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) بالجنة (وَنَذِيراً) (٥٦) مخوفا من النار (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي على تبليغ ما أرسلت به (مِنْ أَجْرٍ إِلَّا) لكن (مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (٥٧) طريقا بإنفاق ماله في مرضاته تعالى فلا أمنعه من ذلك (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ) متلبسا (بِحَمْدِهِ) أي قل سبحان الله
____________________________________
قوله : (وَحِجْراً مَحْجُوراً) تقدم أن معناه تعوذنا تعوذا ، والمراد هنا الستر المانع ، فشبه البحرين بطائفتين متعاديتين ، كل منهما تتحصن من الأخرى ، وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو قوله : (حِجْراً مَحْجُوراً) على طريق الاستعارة المكنية. قوله : (بَشَراً) أي خلقا كاملا مركبا من لحم وعظم وعصب وعروق ودم على شكل حسن ، قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ). قوله : (ذا نسب) الخ ، أي فقسمه قسمين ، ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم وذوات صهر ، أي أناسا يصاهر بهن ، وأخر الصهر لأنه لا يحصل إلا بعد الكبر والتزوج. قوله : (ذا صهر) صهر الرجل أقارب زوجته ، وصهر المرأة أقارب زوجها. قوله : (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) أي حيث خلق من مادة واحدة ، إنسانا ذا أعضاء مختلفة ، وطباع متباعدة ، وأخلاق متعددة ، وجعله قسمين متقابلين ، فمن كان قادرا على ذلك وأمثاله ، فهو حقيق بأن لا يعبد غيره.
قوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) شروع في ذكر قبائح المشركين ، مع ظهور تلك الأدلة. قوله : (ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ) قدم النفع في بعض الآيات وأخره في بعضها تفننا. قوله : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) أي يعاون الشيطان ويتابعه بالعداوة والشرك ، وأل في الكافر للجنس ، فالمراد كل كافر ، وقيل معنى ظهيرا مهينا لا يعبأ به ، فعلى بمعنى عند ، والمعنى : وكان الكافر عند ربه مهانا لا حرمة له ، مأخوذ من قولهم ظهرت به إذا نبذته خلف ظهرك. قوله : (بطاعته) أي الشيطان ، والباء سببية ، والمعنى صار الكافر معينا للشيطان على معصية الله ، بسبب طاعته إياه ، والخروج عن طاعة الله.
قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) أي لم نرسلك في حال من الأحوال ، إلا في حال كونك مبشرا ونذيرا ، فمن آمن فقد تحقق بالبشارة ، ومن استمر على الكفر فله النذارة. قوله : (على تبليغ ما أرسلت به) أي المفهوم من قوله : (أَرْسَلْناكَ). قوله : (لكن) (مَنْ شاءَ) الخ ، أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع ، والمعنى لا أطلب من أموالكم جعلا لنفسي ، لكن من شاء أن ينفق أمواله لوجه الله تعالى طلبا لمرضاته فليفعل. قوله : (في مرضاته تعالى) أي كالصدقة والنفقة في سبيل الله تعالى. قوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) لما قدم أن الكافر خارج عن طاعة ربه ، وعن طاعة رسوله ، وأمر