والحمد لله (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) (٥٨) عالما تعلق به بذنوب هو (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ، ولو شاء لخلقهن في لمحة ، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) هو في اللغة سرير
____________________________________
الرسول أن لا يسألهم أجرا على تبليغه ، أمره بالاعتماد عليه تعالى ، ليكفيه شرورهم ويغنيه عن أجورهم ، فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء الذين يموتون ، فإنهم إذا ماتوا ، ضاع من توكل عليهم ، والتوكل هو وثوق القلب بالله تعالى في جميع الأمور ، من غير اعتماد على الأسباب وإن تعاطاها. قوله : (الَّذِي لا يَمُوتُ) صفة كاشفة ، لأن معنى الحي في حقه تعالى ، ذو الحياة الأبدية التي يستحيل عليها الموت والفناء ، ووصفه بالحياة بهذا المعنى مستلزم ، لاتصافه بوجوب الوجود والقدم والبقاء وجميع الصفات الوجودية والسلبية.
قوله : (وَسَبِّحْ) أي نزهه عن كل نقص. قوله : (بِحَمْدِهِ) الباء للملابسة كما قال المفسر ، أي وصفه بالكمالات. قوله : (أي قل سبحان الله والحمد لله) أي فذلك بجمع التسبيح والتحميد ، لأن معنى تسبيح الله ، تنزيه الله عن كل نقص ، ومعنى الحمد لله ، كل كمال ثابت لله ، فهاتان الكلمتان من جوامع الكلم التي أوتيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهما من جملة الباقيات الصالحات وغراس الجنة التي بقيتها لا إله إلا الله والله أكبر ، وحكمة تأخير لا إله إلا الله عن هاتين الجملتين ، ليكون النطق بها عن معرفة ويقين ، فهي نتيجة ما قبلها ، والله أكبر نتيجة الثلاث فيها ، لأنه إذا تنزه عن النقائص ، واتصف بالكمالات ، وثبت أنه لا إله غيره ، فقد انفرد بالكبرياء والعظمة. وحكمة الاقتصار هنا على التسبيح والتحميد ، لأنهما مستلزمتان للجملتين بعدهما. قوله : (وَكَفى بِهِ) الباء زائدة في الفاعل. قوله : (عالما) أي بالمذنب والطائع. قوله : (تعلق به) أي بخبيرا. قوله : (بذنوب) أي لفظ بذنوب وقدم لرعاية الفاصلة ، والمعنى أن الله قادر على مجازاة الخلق في كل وقت ، فلا ينظر الإنسان لعيوب الناس ولا طاعاتهم ، بل عليه بنفسه ، ويفوض أمره اليه. قوله : (هو) (الَّذِي) أشار بذلك إلى أن الموصول خبر لمحذوف ، وهذه الجملة سيقت تحريضا للتوكل عليه تعالى ، فإن من كان قادرا على ذلك ، فهو حقيق بالتوكل عليه.
قوله : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي فالأرض في يومين الأحد والاثنين ، وما عليهما في يومين الثلاثاء والأربعاء ، والسماوات في يومين الخميس والجمعة ، وفرغ من آخر ساعة من يوم الجمعة. قوله : (أي في قدرها) دفع بذلك ما يقال : إن الأيام لم تكن موجودة إذ ذاك. قوله : (والعدول عنه) أي عن الخلق في لمحة. قوله : (التثبت) أي التأني والتؤدة في الأمور ، وعدم العجلة فيها ، لما ورد : أن العجلة من الشيطان ، واستثنى العلماء من ذلك مسائل اقراء الضيف ، وتزويج البكر ، وتجهيز الميت ، والصلاة في أول وقتها ، وقضاء الدين ، وتعجيل الأوبة للمسافر بعد قضاء حاجته ، والتوبة من الذنب. قوله : (هو في اللغة سرير الملك) أي ومنه قوله : (أيكم يأتيني بعرشها) والمراد هو جسم عظيم محيط بالعالم فوق السماوات السبع. قوله : (بدل من ضمير استوى) ويصح أن يكون خبر المحذوف ، أو خبر الذي خلق. قوله : (أي استواء يليق به) هذا إشارة لمذهب السلف وهم من كانوا قبل الخمسمائة ، ومذهب الخلف تفسير الاستواء بالاستيلاء عليه والتصرف فيه ، وهو أحد معاني الاستواء ، واستدلوا لذلك بقول الشاعر :