الملك (الرَّحْمنُ) بدل من ضمير استوى أي استواء يليق به (فَسْئَلْ) أيها الإنسان (بِهِ) بالرحمن (خَبِيراً) (٥٩) يخبرك بصفاته (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) لكفار مكة (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) بالفوقانية والتحتانية ، والآمر محمد ولا نعرفه؟ لا (وَزادَهُمْ) هذا القول لهم (نُفُوراً) (٦٠) عن الإيمان. قال تعالى (تَبارَكَ) تعاظم (الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً)
____________________________________
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
وفي قوله : (الرَّحْمنُ) إشارة إلى أن الله تعالى استوى على العرش بوصف الرحمة فوسع العالمين ، وكان سقف الجنة لا بوصف الجلال ، وإلا لذاب ولم يبق له أثر. قوله : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً بِهِ) متعلق بخبيرا ، قدم لرعاية الفاصلة. والمعنى اسأل يا محمد خبيرا بصفاته تعالى ، وليس خبيرا بصفاته إلا هو سبحانه وتعالى ، ويصح أن يكون الجار والمجرور متعلقا باسأل ، والباء بمعنى عن. والمعنى اسأل عنه خبيرا ، أي عالما بصفاته ، يطلعك على ما خفي عليك ، والخبير يختلف باختلاف السائل ، فإن كان السائل النبي عليه الصلاة والسّلام ، فالخبير هو الله ، وإن كان السائل أصحابه ، فالخبير النبي ، وإن كان السائل التابعين فالخبير الصحابة عن الله وهكذا ، فآل الأمر إلى أن المشايخ العارفين ، يفيدون الطالب عن الله ، وفيه دليل على وجوب معرفة التوحيد.
قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أي لكفار مكة. قوله : (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) أي ظنا منهم أن المراد به غيره تعالى ، لأنهم كانوا يطلقون الرحمن على مسيلمة الكذاب. قوله : (وبالفوقانية والتحتانية) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (والآمر محمد) أي على كل من القراءتين. قوله : (ولا نعرفه) راجع لقوله : (لِما تَأْمُرُنا) فكان المناسب ذكره بلصقه. قوله : (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله : (تعاظم) أي انفرد بالعظمة ، لأن من كانت هذه أوصافه ، فهو منفرد بالكبرياء والعظمة ، وتقدم أن لفظة تبارك من الصفات الجامعة ، تفسر في كل مقام بما يناسبه.
قوله : (بُرُوجاً) جمع برج وهو في الأصل القصر العالي ، سميت هذه المنازل بروجا ، لأنها للكواكب السبعة السيارة ، كالمنازل الرفيعة التي هي كالقصور لسكانها ، فالمراد بالبروج الطرق والمنازل للكواكب السيارة. قوله : (الحمل) أي ويسمى بالكبش. قوله : (والأسد) أي ويسمى بالليث أيضا ، وقوله : (والدلو) ويسمى الدلى أيضا. قوله : (المريخ) بكسر الميم. قوله : (وله) أي من البروج المذكورة ، والحاصل أن خمسة من الكواكب السبعة أخذت عشر بروج ، كل واحد اثنين واثنان من السبعة وهما الشمس والقمر ، كل واحد منهما أخذ واحدا من البروج ، وتقدم في سورة الحجر نظم الكواكب والبروج ، وتقدم أن زحل نجم في السّماء السابعة ، والمشتري في السادسة ، والمريخ في الخامسة ، والشمس في الرابعة ، والزهرة في الثالثة ، وعطار في الثانية ، والقمر في الأولى ، وتخصيص الشمس بالأسد لكونه بيتها المنسوب لها ، فلا ينافي سيرها في البروج كلها ، وكذا غيرها من باقي الكواكب السبعة ، وذلك لأن البروج أصلها في سماء الدنيا وتمتد للسماء السابعة ، فالبروج كلها طرق للكواكب السبعة كلها. قوله : (والزهرة) بفتح الهاء. قوله : (وعطارد) بضم العين ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع. قوله : (وزحل) ممنوع.