الملائكة (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) (٧٦) موضع إقامة لهم ، وأولئك وما بعده خبر عباد الرحمن المبتدأ (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (ما) نافية (يَعْبَؤُا) يكترث (بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) إياه في الشدائد فيكشفها (فَقَدْ) أي فكيف يعبأ بكم وقد (كَذَّبْتُمْ) الرسول والقرآن (فَسَوْفَ يَكُونُ) العذاب (لِزاماً) (٧٧) ملازما لكم في الآخرة بعد ما يحل بكم في الدنيا فقتل منم يوم بدر سبعون ، وجواب لو لا دل عليه ما قبلها.
____________________________________
تعالى عليهم بالقول ، أو سلام الملائكة ، أو سلام بعضهم على بعض. قوله : (الملائكة) أي أو من الله أو من بعضهم لبعض ، والمعنى تحييهم الملائكة ويدعون لهم بطول الحياة والسلامة من الآفات ، فتحصل أن قوله : (تَحِيَّةً وَسَلاماً) قيل هما بمعنى واحد ، وجمع بينهما لاختلاف لفظهما ، وقيل متخالفان ، فالتحية الإكرام بالهدايا والتحف ، والسّلام الدعاء ، إما من الملائكة ، أو من الله ، أو من بعضهم لبعض. قوله : (خالِدِينَ فِيها) أي لا يموتون ولا يخرجون. قوله : (وأولئك) أي الواقع مبتدأ ، وقوله : (وما بعده) أي قوله : (يُجْزَوْنَ) الواقع خبره.
قوله : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) الخ ، لما ذكر أوصاف المؤمنين الكاملين ، أفاد أن المدار على تلك الأوصاف التي بها العبادة لله ، فلو لا العبادة الواقعة من الخلق ، لم يكترث بهم ولم يعتد بهم عنده ، فإن الإنسان خلق ليعرف ربه ويعبده ، وإلا فهو شبيه بالبهائم ، قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ففي العبادة يتنافس المتنافسون ، وبها يفوز الفائزون. قوله : (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (إياه) أشار بذلك إلى أن المصدر مضاف لفاعله.
قوله : (فَسَوْفَ يَكُونُ) (العذاب) أي الذي دل عليه قوله : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ). قوله : (لِزاماً) مصدر لازم كقاتل قتالا ، والمراد هنا اسم الفاعل ، وفي الآية تهديد لكفار مكة. قوله : (فقتل منهم يوم بدر سبعون) الخ ، روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود قال : خمس قد مضين ، الدخان واللزام والروم والبطشة والقمر ، وقوله خمس أي خمس علامات دالة على قيام الساعة قد وقعن بالفعل ، فالدخان هو قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) والمراد به شيء يشبه الدخان ، وقد نزل بقريش من شدة الجوع ، صار الواحد يرى كأن بينه وبين السماء دخانا ، والقمر في قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) والروم في قوله تعالى : (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) والبطشة في قوله تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) وهي القتل يوم بدر ، واللزام هو الأسر يومها. قوله : (دل عليه ما قبلها) أي وهو قوله : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) والتقدير لو لا دعاؤكم ، أي طلبكم من الله رفع الشدائد ، وأنتم تتعلقون بأستار الكعبة ، ما يعبأ بكم ، أي ما يكترث بكم فلا يرفعها عنكم ، وقوله : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) أي دمتم على تكذيبه بعد إخراجه من بينكم ، فسوف يكون العذاب لازما لكم ، لا يرد عنكم ، ولا يقبل منكم دعاء فتدبر.