(باخِعٌ نَفْسَكَ) قاتلها غما من أجل (أَلَّا يَكُونُوا) أي أهل مكة (مُؤْمِنِينَ) (٣) ولعل هنا للإشفاق ، أي أشفق عليها بتخفيف هذا الغم (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ) بمعنى المضارع أي تظل أي تدوم (أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٤) فيؤمنون ، ولما وصفت الأعناق بالخضوع الذي هو لأربابها جمعت الصفة منه جمع العقلاء (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) قرآن (مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) صفة كاشفة (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) (٥) (فَقَدْ كَذَّبُوا) به (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا) عواقب (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٦) (أَوَلَمْ يَرَوْا) ينظروا (إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها) أي كثيرا (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (٧) نوع حسن (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) دلالة على كمال قدرته تعالى (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ
____________________________________
قوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) هذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، والباخع من بخع من باب نفع : قتل نفسه من وجد أو غيظ. قوله : (ولعل هنا للاشفاق) أي فالترجي بمعنى الأمر ، والمعنى ارحم نفسك وارأف بها. قوله : (أي أشفق عليها) بقطع الهمزة من الرباعي وبوصلها من الثلاثى ، والأول إن تعدى بمن كان بمعنى الخوف ، وإن تعدى بعلى كان بمعنى الرحمة والرفق. قوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ) الخ ، هذا تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ببيان حقيقة أمرهم ، والمعنى لا تحزن على عدم إيمانهم ، فإننا لو شئنا إيمانهم لأنزلنا عليهم معجزة تأخذ بقلوبهم ، فيؤمنون قهرا عليهم ، ولكن سبق في علمنا شقاؤهم ، فعدم إيمانهم منا لا منهم ، فأرح نفسك من التعب القائم بها ، و (إِنْ) حرف شرط ، و (نَشَأْ) فعل الشرط ، و (نُنَزِّلْ) جوابه.
قوله : (آيَةً) أي معجزة تخوفهم ، كرفع الجبل فوق رؤوسهم ، كما وقع لبني إسرائيل. قوله : (بمعنى المضارع) أشار بذلك إلى أن قوله : (فَظَلَّتْ) مستأنف ، ويصح أن يكون معطوفا على (نُنَزِّلْ) ، فهو في محل جزم. قوله : (ولما وصفت الأعناق بالخضوع) الخ ، دفع بذلك ما يقال : كيف جمع الأعناق بجمع العقلاء؟ فأجاب : بأنه لما ناسب الخضوع لها ، وهو وصف العقلاء ، جميعها بالياء والنون كقوله تعالى : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ، وإلا فكان مقتضى الظاهر أن يقول خاضعة ، وهناك أجوبة أخر ، منها أن المراد بالأعناق الرؤساء ، ومنها أن لفظ الأعناق مقحم والأصل فظلوا لها خاضعين ، ومنها غير ذلك. قوله : (مِنْ ذِكْرٍ مِنْ) زائدة ، وقوله : (مِنَ الرَّحْمنِ مِنْ) ابتدائية. قوله : (صفة كاشفة) أي لأنه فهم من قوله : (يَأْتِيهِمْ) ، لأن التعبير بالفعل يفيد التجدد والحدوث. قوله : (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) أي غير متأملين. قوله : (عواقب) أي وعبر عنها بالأنباء ، لأن القرآن أخبر عنها ، والمراد ننزل بهم مثل ما نزل بمن قبلهم.
قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ) أي إلى عجائبها ، والهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة عليه ، والتقدير أغفلوا ولم ينظروا إلى الأرض الخ ، وهذا بيان للأدلة التي تحدث في الأرض وقتا بعد وقت ، تدل على أنه منفرد بالألوهية ، ومع ذلك استمر أكثرهم على الكفر. قوله : (كَمْ أَنْبَتْنا فِيها كَمْ) في محل نصب مفعول لأنبتنا ، و (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) تمييز لها. قوله : (نوع حسن) أي كثير النفع. قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) الخ ، قد ذكرت هذه الآية في هذه السورة ثمان مرات. قوله : (في علم الله) هذا مبني على أصالة (كانَ) ، وقوله : (وكان قال سيبويه) الخ ، توجيه ثان فكان المناسب أن يقول : وقال