تكذيبهم لي (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) بأداء الرسالة للعقدة التي فيه (فَأَرْسِلْ إِلى) أخي (هارُونَ) (١٣) معي (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) بقتل القبطي منهم (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (١٤) به (قالَ) تعالى (كَلَّا) أي لا يقتلونك (فَاذْهَبا) أي أنت وأخوك ، ففيه تغليب الحاضر على الغائب (بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (١٥) ما تقولون وما يقال لكم ، أجريا مجرى الجماعة (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا) أي كلّا منا (رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦) إليك (أَنْ) أي بأن (أَرْسِلْ مَعَنا) إلى الشام (بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٧) فأتياه فقالا له ما ذكر (قالَ) فرعون لموسى (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا) في منازلنا (وَلِيداً) صغيرا قريبا من الولادة بعد فطامه (وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) (١٨) ثلاثين سنة
____________________________________
مِنْ لِسانِي) الآيات. قوله : (للعقدة التي فيه) أي الثقل الحاصل بسبب وضع الجمرة عليه وهو صغير ، حين نتف لحية فرعون ، فاغتم لذلك وهم بقتله ، فأشارت عليه زوجته أن يمتحنه ، فقدم له تمرة وجمرة ، فأخذ الجمرة بتحويل جبريل يده فوضعها على لسانه ، فحصل فيه ثقل في النطق.
قوله : (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) أي وكان في مصر ، فأتاه جبريل بالرسالة على حين غفلة ، فموسى جاءته الرسالة من ربه بلا واسطة جبريل ، وإن كان حاضرا ، وهارون جاءته الرسالة في ذلك الوقت أيضا بواسطة جبريل. قوله : (معي) أي ليكون معينا لي ، وهو بمعنى قوله في سورة القصص (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي). قوله : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) أي في زعمهم. قوله : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) أي فيفوت المقصود من الإرسال. قوله : (فيه تغليب الحاضر على الغائب) أي بالنسبة لموسى ، وإلا فهما حاضران بالنسبة لله تعالى ، لكن سمع موسى الخطاب من الله بلا واسطة ، وهارون سمعه بواسطة جبريل. قوله : (بِآياتِنا) جمع الآيات مع أنهما اثنان العصا واليد ، باعتبار ما اشتملت العصا عليه من الآيات له. قوله : (إِنَّا مَعَكُمْ) أي معية خاصة بالعون والنصر. قوله : (أجريا مجرى الجماعة) أي تعظيما لهما. قوله : (أي كلا منا) قدر ذلك لتحصل المطابقة بين اسم إن وخبرها ، الذي هو الرسول حيث أفرده.
قوله : (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي خلصهم وأطلقهم. قوله : (فأتياه) الخ ، أشار بذلك إلى أن قوله : (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ) الخ ، مرتب على محذوف ، روي أنهما لما انطلقا إلى فرعون ، لم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه ، فدخل البواب على فرعون وقال له : ههنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين ، فقال له فرعون : ائذن له لعلنا نضحك معه ، فدخلا عليه فوجداه قد أخرج سباعا من أسد ونمور وفهود يتفرج عليها ، فخاف خدامها أن تبطش بموسى وهارون ، فأسرعوا اليهما وأسرعت السباع إلى موسى وهارون ، فأقبلت تلحس أقدامهما ، وتلصق خدودها بفخذيهما فعجب فرعون من ذلك فقال : ما أنتما؟ قالا : إنا رسول رب العالمين ، فعرف موسى ، لأنه نشأ في بيته فقال : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) الخ ، فامتن عليه أولا بنعمة التربية ، وثانيا بعدم مؤخذاته بما وقع منه من قتل القبطي. قوله : (قريبا من الولادة) قصده بذلك دفع ما ورد على الآية ، بأن الوليد يطلق على المولود حال ولادته ، وليس مرادا هنا ، فإنه كان زمن الرضاع عند أمه ، ثم أخذه فرعون بعد الفطام ، والأولى إبقاء الآية على ظاهرها ، لأن موسى وإن كان عند أمه ، إلا أنه تحت نظر فرعون ، فهو في تربيته من حين ولادته.