اعتقاد فاسد (وَما يَنْطِقُ) بما يأتيكم به (عَنِ الْهَوى) (٣) هوى نفسه (إِنْ) ما (هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٤) إليه (عَلَّمَهُ) إياه ملك (شَدِيدُ الْقُوى) (٥) (ذُو مِرَّةٍ) قوة وشدة ، أو منظر حسن ، أي جبريل عليهالسلام (فَاسْتَوى) (٦) استقر (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) (٧) أفق الشمس أي عند مطلعها على صورته التي خلق عليها ، فرآه النبي صلىاللهعليهوسلم وكان بحراء قد سد الأفق إلى المغرب ، فخرّ مغشيا عليه ، وكان قد سأله أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها ، فواعده بحراء ، فنزل جبريل له في صورة الآدميين (ثُمَّ دَنا) قرب منه (فَتَدَلَّى) (٨) زاد في القرب (فَكانَ) منه (قابَ) قدر (قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٩) من ذلك حتى أفاق وسكن روعه (فَأَوْحى) تعالى (إِلى عَبْدِهِ) جبريل (ما
____________________________________
الضلال مخالف للغي ، فالضلال فعل المعاصي ، والغي هو الجهل المركب ، وقيل : الضلال في العلم ، والغي في الأفعال ، وقيل : هما مترادفان. قوله : (من اعتقاد فاسد) أي ناشىء وحاصل. قوله : (عَنِ الْهَوى) متعلق بينطق ، والمعنى ما يصدر نطقه عن هوى نفسه ، ومثله الفعل بل جميع أحواله ، وهو مفرع على ما قبله ، لأنه إذا علم تنزهه عن الضلال والغواية ، تفرع عليه أنه لا ينطق عن هواه قرآنه أو غيره.
قوله : (إِنْ هُوَ) الضمير عائد على النطق المأخوذ من ينطق ، والمعنى : ما يتكلم به من القرآن وغيره ، ومثل النطق الفعل وجميع أحواله ، فهو صلىاللهعليهوسلم لا ينطق ولا يفعل إلا بوحي من الله تعالى ، لا عن هوى نفسه. قوله : (يُوحى) الجملة صفة لوحي ، أتى بها لرفع توهم المجاز ، كأنه قال : هو وحي حقيقة ، لا مجرد تسمية.
قوله : (عَلَّمَهُ) (إياه) الضمير المذكور هو المفعول الأول عائد على النبي ، والثاني الذي قدره المفسر عائد على الوحي. قوله : (شَدِيدُ الْقُوى) صفة لموصوف محذوف قدره المفسر بقوله : (ملك) وهو جبريل عليهالسلام ، ومن شدة قوته اقتلاعه مدائن قوم لوط ، ورفعها إلى السماء وقلبها ، وصياحه على قوم ثمود ، ونتقه الجبل على بني إسرائيل ، وهذه الشدة حاصلة فيه ، ولو تشكل بصورة الآدميين ، لأنها لا تحكم عليهم الصورة ، وهذا قول الجمهور ، وقيل : المراد به الرب سبحانه وتعالى ، والمراد بالقوى في حقه تعالى ، صفات الاقتدار كالكبرياء والعظمة. قوله : (ذُو مِرَّةٍ) أي قوة باطنية وعزم وسرعة وحركة ، فغاير ما قبله ، فجبريل أعطاه الله قوة ظاهرية وقوة باطنية ، وقيل : المرة وفور العلم ، وقيل : الجمال. قوله : (فَاسْتَوى) عطف على قوله : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى).
قوله : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) الجملة حالية. قوله : (وكان) أي النبي صلىاللهعليهوسلم. قوله : (وكان قد سأله) الخ ، تعليل لقوله : (فَاسْتَوى) وذلك أن جبريل كان يأتي النبي صلىاللهعليهوسلم في صورة الآدميين ، كما يأتي إلى الأنبياء ، فسأله النبي صلىاللهعليهوسلم أن يريه نفسه التي جعله الله عليها ، فأراه نفسه مرتين ، مرة بالأرض ومرة بالسماء ، ولم يره أحد من الأنبياء على صورته التي خلق عليها إلا نبينا صلىاللهعليهوسلم. قوله : (فنزل جبريل) عطف على قوله : (فخر مغشيا عليه). قوله : (زاد في القرب) أي فالكلام باق على ظاهره ، وقيل : في الكلام قلب ، والأصل فتدلى ثم دنا ، ومعنى تدلى رجع لصورته الأصلية.
قوله : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) في الكلام حذف ، والأصل فكان مقدار مسافة قربه منه ، مثل مقدار مسافة قاب قوسين ، والقاب القدر ، وقيل : هو ما بين المقبض والطرف ، ولكل قوس قابان ، فأصل الكلام فكان قابي قوسين ، فحصل في الكلام قلب. قوله : (أَوْ أَدْنى) أو بمعنى بل ، نظير قوله تعالى : (أَوْ