المصطلق مصدقا فخافهم لترة كانت بينه وبينهم في الجاهلية ، فرجع وقال : إنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله ، فهمّ النبي صلىاللهعليهوسلم بغزوهم ، فجاؤوا منكرين ما قاله عنهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) خبر (فَتَبَيَّنُوا) صدقه من كذبه ، وفي قراءة فتثبتوا من الثبات (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً) مفعول له أي خشية ذلك (بِجَهالَةٍ) حال من الفاعل أي جاهل (فَتُصْبِحُوا) تصيروا (عَلى ما فَعَلْتُمْ) من الخطأ بالقوم (نادِمِينَ) (٦) وأرسل صلىاللهعليهوسلم إليهم بعد عودهم إلى بلادهم خالدا ، فلم ير فيهم إلا الطاعة والخير ، فأخبر النبي بذلك (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) فلا تقولوا الباطل ، فإن الله يخبره بالحال (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) الذي تخبرون به على خلاف الواقع فيرتب على ذلك مقتضاه (لَعَنِتُّمْ) لأثمتم دونه إثم التسبب إلى المرتب (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ) حسنه (فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) استدراك من حيث المعنى دون اللفظ ، لأن من حبب إليه الإيمان الخ ، غايرت صفته صفة من تقدم ذكره
____________________________________
فاتهمهم رسول الله ، وبعث خالد بن الوليد في عسكره خفية ، وأمره أن يخفي عليهم قدومه وقال : انظر ، فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم ، فخذ منهم زكاة أموالهم ، وإن لم تر ذلك ، فافعل فيهم ما تفعل في الكفار ، ففعل ذلك خالد ، ووافاهم عند الغروب ، فسمع منهم أذان صلاة المغرب والعشاء ، ووجدهم مجتهدين في امتثال أمر الله ، فأخذ منهم صدقات أموالهم ، ولم ير منهم إلا الطاعة والخير ، وانصرف إلى رسول الله وأخبره الخبر ، فنزلت الآية ، واستشكل بأن الوليد صحابي جليل ، ولا يليق إطلاق لفظ الفاسق عليه ، فإن المراد به الكافر ، قال تعالى : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ) إلى غير ذلك. وأجيب : بأن الذي وقع من الوليد توهم وظن ، فترتب عليه الخطأ ، وإنما سماه الله فسقا ، تنفيرا عن هذا الفعل ، وزجرا عليه ، ويؤخذ من الآية حرمة النميمة ، وتعظيم كيفية ردها على صاحبها. قوله : (مصدقا) بتخفيف الصاد ، أي يأخذ الصدقات. قوله : (لترة) بكسر التاء وفتح الراء ، أي عداوة.
قوله : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) المقصود من الآية أي نمام ، فإن النمام فاسق ، وليس المقصود عين الوليد ، فإنه ليس بفاسق ، بل هو صحابي جليل ، وإن كان سبب النزول واقعته. قوله : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً) أي بالقتل والسبي. قوله : (نادِمِينَ) أي مغتمين لما وقع منكم. قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) أي فلا تكذبوا عليه ، فإن الله يعلمه ببواطنكم فتفتضحوا. قوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ) الخ ، حال من الضمير المجرور في (فِيكُمْ) والمعنى : أنه فيكم كائنا على حالة منكم يجب تغييرها ، وهي أنكم تودون أن يتبعكم في كثير من الحوادث ، ولو فعل ذلك لوقعتم في الجهل ، لكن عصمه الله رحمة بكم. قوله : (لأثمتم دونه) أي فلا يأثم لعذره ، وقوله : (إثم التسبب) أي لا إثم الفعل ، لأنكم لم تفعلوا ، قوله : (إلى المرتب) أي الذي يرتبه النبي صلىاللهعليهوسلم على أخباركم ويفعله ، كقتال بني المصطلق.
قوله : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) أي الكامل ، وهو التصديق بالجنان ، والإقرار باللسان ، والعمل بالأركان ، وإذا حبب إليهم الإيمان ، الجامع للخصال الثلاث ، لزم كراهتهم لأضدادها ، فلذلك قال : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) الذي هو مقابله التصديق بالجنان ، والفسوق الذي هو مقابله الإقرار باللسان ، والعصيان الذي هو مقابله العمل بالأركان. قوله : (استدراك من حيث المعنى) الخ ، أشار بذلك لدفع ما