(أُولئِكَ هُمُ) فيه التفات عن الخطاب (الرَّاشِدُونَ) (٧) الثابتون على دينهم (فَضْلاً مِنَ اللهِ) مصدر منصوب بفعله المقدر أي أفضل (وَنِعْمَةً) منه (وَاللهُ عَلِيمٌ) بهم (حَكِيمٌ) (٨) في إنعامه عليهم (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية ، نزلت في قضية هي أن النبي صلىاللهعليهوسلم ركب حمارا ومرّ على ابن أبيّ فبال الحمار ، فسد ابن أبيّ أنفه ، فقال ابن رواحة : والله لبول حماره أطيب من مسكك ، فكان بين قوميهما ضرب بالأيدي والنعال والسعف (اقْتَتَلُوا) جمع نظرا إلى المعنى ، لأن كل طائفة جماعة ، وقرىء اقتتلتا (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) ثني نظرا إلى اللفظ (فَإِنْ بَغَتْ) تعدت (إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ) ترجع (إِلى أَمْرِ اللهِ) الحق (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) بالإنصاف (وَأَقْسِطُوا) اعدلوا (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) في
____________________________________
قيل إن ، لكن يشترط أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها ، نفيا وإثباتا ، وتوضيح الجواب : أن الذين حبب إليهم الإيمان ، قد غايرت صفتهم صفة المتقدم ذكرهم ، فإن ما قيل : لكن يوهم أنهم على غير استقامة مع الله ومع رسوله ، فهو استدراك بحسب المعنى. قوله : (مصدر منصوب) الخ ، فيه مسامحة ، إذ هو اسم مصدر ، والمصدر إفضال ، ويصح أن يكون مفعولا لأجله عامله حبب ، وما بينهما اعتراض ، وفي هذه الآية تنبيه على أن السعادة العظمى ، محبة الله ورسوله ، وكراهة أهل الكفر والفسوق. قوله : (هي أن النبي صلىاللهعليهوسلم ركب حمارا) الخ ، ذكر القصة مختصرة ، ورواها الشيخان بطولها وحاصلها : أنه روي عن أسامة بن زيد ، أنه صلىاللهعليهوسلم ركب على حمار عليه إكاف ، تحته قطيفة فدكية ، وأردف أسامة بن زيد وراءه ، يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج قبل وقعة بدر ، قال : فسار النبي صلىاللهعليهوسلم حتى مر على مجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول ، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي ، وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود ، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة ، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال : لا تغيروا علينا ، فسلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم وقف فنزل ، فدعاهم إلى الله تعالى ، وقرأ عليهم القرآن ، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول : أيها المرء ، إنه لا أحسن مما تقول ، أي لا شيء أحسن منه إن كان حقا ، فلا تؤذنا به في مجالسنا وارجع إلى رحلك ، فمن جاء فاقصص عليه ، فقال عبد الله بن رواحة : بلى يا رسول الله ، فاغشنا به في مجالسنا ، فإنا نحب ذلك ، فما لبث المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتحاربون ، فلم يزل النبي صلىاللهعليهوسلم يخفضهم حتى سكتوا. ا ه. قوله : (ومر على ابن أبي) أي وكان من الخزرج ، وقوله : (فقال ابن رواحة) أي وكان من الأوس. قوله : (وسد ابن أبي أنفه) أي وقال : إليك عني ، والله لقد آذاني نتن حمارك. قوله : (فكان بين قوميهما) أي وهما الأوس والخزرج. قوله : (والسعف) أي وهو جريدة النخل ، إذا كان عليه الخوص ، فإن جرد منه قيل له عسيب. قوله : (وقرىء) أي شذوذا.
قوله : (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما) أي أبت النصيحة والإجابة إلى حكم الله. قوله : (حَتَّى تَفِيءَ حَتَّى) هنا للغاية ، والنصب بأن المضمرة بعدها ، أي إلى أن ترجع الخ. قوله : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) أي بالنصح والدعاء إلى حكم الله. قوله : (بالإنصاف) أي فلا تجوروا على إحدى الطائفتين ، بل احكموا بينهما بالإنصاف. قوله : (اعدلوا) أشار به إلى أن أقسط معناه عدل ، فهمزته للسلب ، بخلاف