الدين (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) إذا تنازعا وقرىء إخوتكم بالفوقانية (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ) الآية ، نزلت في وفد تميم حين سخروا من فقراء المسلمين ، كعمار وصهيب ، والسخرية الازدراء والاحتقار (قَوْمٌ) أي رجال منكم (مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) عند الله (وَلا نِساءٌ) منكم (مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا
____________________________________
قسط ، فمعناه جار ، قال تعالى (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً). قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) كالتعليل لما قبله. قوله : (إِخْوَةٌ) (في الدين) أي من حيث إنهم ينتسبون إلى أصل واحد وهو الإيمان.
قوله : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) خص الاثنين بالذكر ، لأنهما أقل من يقع بينهما النزاع ، فإذا ألزمت المصالحة بين الأقل ، كانت بين الأكثر أولى. قوله : (وقرىء) أي شذوذا ، وهذه القراءة تدل على أن قراءة التثنية معناها الجماعة. قوله : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي على تقواكم ، وفي هذا الترجي إطماع من الكريم الرحيم.
قوله : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ) الخ ، يقال : سخر منه سخرا ، من باب تعب ، والاسم السخرية بضم السين وكسرها ، والسخرة بوزن غرفة ، ما سخرته من خادم أو دابة بلا أجرة أو ثمن. قوله : (سخروا من فقراء المسلمين) أي لما رأوا من رثاثة حالهم وتقشفهم ، وهذا كان في أول إسلامهم قبل تمكنهم منه ، وإلا فقد صاروا بعد ذلك إخوانا متحابين في الله. قوله : (كعمار) الخ ، أي وهم أهل الصفة ، الذين قال الله فيهم (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية. قوله : (أي رجال منكم) أشار بذلك إلى أن القوم اسم جمع ، بمعنى الرجال خاصة ، واحده في المعنى رجل ، وقيل : جمع لا واحد له ، من لفظه يدل على تخصيصه بالرجال ، مقابلته بقوله : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) وهذا هو الموافق لأصل اللغة ، قال الشاعر :
وما أدري ولست أخال أدري |
|
أقوم آل حصن أم نساء |
وأما قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح) ونحوه ، فالمراد ما يشمل النساء ، لكن بطريق التبع ، لأن قوم كل نبي رجال ونساء ، وسمي الرجال قوما ، لأنهم قوامون على النساء. قوله : (منكم) قيد به قوم المرفوع ، وتركه في المجرور ، ويصح تقييده بكل ، ويقال نظيره في قوله : (وَلا نِساءٌ) الخ. قوله : (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) الجملة مستأنفة لبيان العلة الموجبة للنهي ، ولا خبر لعسى ، لأنه يغني عنه فاعلها ، والمعنى : لا يحتقر أحدا أحدا ، فلعل من يحتقر ، يكون عند الله أعلى وأجل ممن احتقره ، وبالجملة فينبغي للإنسان أن لا يسخر بأخيه في الدين ، بل ولا بأحد من خلق الله ، فلعله يكون أخلص ضميرا ، وأتقى قلبا ممن سخر به ، ولقد بلغ بالسلف الصالح هذا الأمر ، حتى قال بعضهم : لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه ، لخشيت أن أصنع مثل ما صنع ، وقال عبد الله بن مسعود : البلاء موكل بالقول ، لو سخرت من كلب ، لخشيت أن أحول كلبا. قوله : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) قال أنس : نزلت في صفية بنت حيي ، بلغها أن حفصة قالت : بنت يهودي فبكت ، فدخل عليها النبي صلىاللهعليهوسلم وهي تبكي فقال : ما يبكيك؟ قالت : قالت لي حفصة إني بنت يهودي ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : إنك لابنة نبي ، وعمك نبي ، وإنك لتحت نبي ، ففيم تفتخر عليك؟ ثم قال : اتقي الله يا حفصة. وذكر النساء لمزيد الإيضاح والتبيين ، ولدفع توهم