تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) لا تعيبوا فتعابوا ، أي لا يعب بعضكم بعضا (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) لا يدع بعضكم بعضا بلقب يكرهه ، ومنه يا فاسق يا كافر (بِئْسَ الِاسْمُ) أي المذكور من السخرية واللمز والتنابز (الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) بدل من الاسم ، لإفادة أنه فسق لتكرره عادة (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) من ذلك (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (١١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) أي مؤثم وهو كثير ، كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين وهم كثير بخلافه
____________________________________
أن هذا النهي خاص بالرجال. قوله : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) اللمز في الأصل الإشارة بالعين ونحوها. قوله : (ولا تعيبوا فتعابوا) أشار بذلك إلى توجيه قوله : (أَنْفُسَكُمْ) وذلك لأن الإنسان إذا عاب غيره ، عابه ذلك الغير ، فقد عاب الشخص نفسه بتسببه. قوله : (أي لا يعب بعضكم بعضا) هذا توجيه آخر ، فكان الأولى للمفسر أن يأتي بأو ، والمعنى : أن المؤمنين كشخص واحد ، فمن عاب غيره ، كأنه عاب نفسه ، ومن هذا المعنى قول العارف :
إذا شئت أن تحيا سعيدا من الردى |
|
وحظك موفور وعرضك صين |
لسانك لا تذكر به عورة امرىء |
|
فكلك عورات وللناس ألسن |
وعينك إن أبدت إليك معايبا |
|
فدعها وقل يا عين للناس أعين |
فعاشر بمعروف وسامح من اعتدى |
|
وفارق ولكن بالتي هي أحسن |
قوله : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) النبز بفتح الباء اللقب مطلقا ، حسنا أو قبيحا ، ثم صار مخصوصا بما يكرهه الشخص ، وسبب نزول هذه الآية كما قال جبيرة بن الضحاك الأنصاري : قدم علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وليس منا رجل إلا له اسمان أو ثلاثة ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : يا فلان ، فيقولون : مه يا رسول الله ، إنه يغضب من هذا الاسم ، فأنزل الله هذه الآية ، ومن ذلك الشتم كقولك لأخيك : يا كلب يا حمار ونحو ذلك ، والمراد بهذه الألقاب ما يكرهه المخاطب ، وأما الألقاب التي صارت كالأعلام لأصحابها ، كالأعمش والأعرج ، وما أشبه ذلك ، فلا بأس بها ، إذا لم يكرهه المدعو بها ، وأما الألقاب التي تشعر بالمدح فلا تكره ، كما قيل لأبي بكر : عتيق ، ولعمر فاروق ، ولعثمان : ذو النورين ، ولعلي : أبو تراب ، ولخالد : سيف الله ، ونحو ذلك. قوله : (بِئْسَ الِاسْمُ بِئْسَ) فعل ماض ، والاسم فاعل ، وقوله : (الْفُسُوقُ) بدل من الاسم كما قال المفسر ، وعليه فالمخصوص بالذم محذوف تقديره هو ، والأوضح إعرابه مخصوصا بالذم ، والمراد بالاسم الذكر المرتفع. قوله : (الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) أي الاتصاف بالفسوق ، بعد الاتصاف بالإيمان ، والمراد بالفسوق : الخروج عن الطاعة. قوله : (لإفادة أنه) أي ما ذكر من السخرية ، الخ. قوله : (لتكرره عادة) أي إنه وإن كان المذكور صغيرة لا يفسق بها ، لكنه في العادة يتكرر ، فيصير كبيرة يفسق بها. قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي الضارون لأنفسهم بمعاصيهم ومخالفاتهم ، ففي هذه الآيات وصف المؤمنين بالفسق والظلم ، وإن كان في غالب الآيات ، إطلاق الفسق والظلم على أهل الكفر. قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) قيل : نزلت في رجلين اغتابا رفيقهما ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا غزا أو سافر ، ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين ، يخدمهما ويتقدمهما إلى المنزل ، فيهيىء لهما ما يصلحهما من الطعام والشراب ، فضم سلمان إلى