يكرهه وإن كان فيه (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) بالتخفيف والتشديد ، أي لا يحسن به لا (فَكَرِهْتُمُوهُ) أي فاغتيابه في حياته كأكل لحمه بعد مماته ، وقد عرض عليكم الثاني فكرهتموه فاكرهوا الأول (وَاتَّقُوا اللهَ) أي عقابه في الاغتياب بأن تتوبوا منه (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ) قابل توبة التائبين (رَحِيمٌ) (١٢) بهم (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) آدم وحواء (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً) جمع شعب بفتح الشين ، هو أعلى طبقات النسب (وَقَبائِلَ) هي دون
____________________________________
تظلم واستغث واستفت حذر |
|
وعرف بدعة فسق المجاهر |
قوله : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ) الخ ، تمثيل لما يناله المغتاب من عرض من اغتابه على أقبح وجه ، وإنما مثله بهذا ، لأن أكل لحم الميت حرام في الدين ، وقبيح في النفوس. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (لا يحسن به) تفسير لميتا ، وقوله : (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله : (فَكَرِهْتُمُوهُ) الضمير عائد على الأكل المفهوم من (يَأْكُلَ.) قوله : (أي فاغتيابه في حياته) الخ ، في هذا التمثيل اشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه ودمه ، لأن الإنسان يتألم قلبه من قرض عرضه ، كما يتألم جسمه من قطع لحمه ، فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم الإنسان ، لم يحسن منه قرض عرضه بالأولى. قوله : (قابل توبة التائبين) يشير به إلى أن المبالغة في تواب ، للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده ، لأنه ما من ذنب إلا ويعفو الله عنه بالتوبة إذا استوفيت شروطها. واعلم أنه تعالى ختم الآيتين بذكر التوبة فقال (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقال هنا (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) لكن لما كان الابتداء في الآية الأولى بالنهي في قوله : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) ذكر النفي الذي هو قريب من النهي ، وفي الثانية كان الابتداء بالأمر في قوله : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) ذكر الاثبات الذي هو قريب من الأمر تأمل.
قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) اختلف في سبب نزول هذه الآية ، فقال ابن عباس : لما كان يوم فتح مكة ، أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلالا حتى علا ظهر الكعبة فأذن ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي الفيض : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم ، وقال الحرث بن هشام : ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ، وقال سهل بن عمرو : وإن يرد الله شيئا يغيره ، وقال أبو سفيان : أنا لا أقول شيئا أخاف أن يخبره رب السماوات ، فأتى جبريل النبي صلىاللهعليهوسلم وأخبره بما قالوا ، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، زجرا لهم عن التفاخر بالأنساب ، والتكاثر بالأموال ، والازدراء بالفقراء ، وأن المدار على التقوى ، لأن الجميع من آدم وحواء ، وإنما الفضل بالتقوى ، وقيل : نزلت في أبي هند ، حين أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بني بياضة أن يزوجوه امرأة منهم ، فقالوا لرسول الله : نزوج بناتنا موالينا؟ وقيل : نزلت في قيس بن ثابت حين قال له رجل : افسح لي ، فقال : إن ابن فلانة يقول : افسح لي ، كناية عن استخفافه به ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من الذاكر فلانة؟ قال ثابت : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : انظر في وجوه القوم ، فنظر فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : ما رأيت؟ قال ثابت : رأيت أبيض وأسود وأحمر ، فقال : إنك لا تفضلهم إلا بالتقوى ، ونزل فيه أيضا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) الآية. قوله : (آدم وحواء) لف ونشر مرتب. قوله : (هو أعلى طبقات النسب) أي فالشعوب