(فَنَقَّبُوا) فتشوا (فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) (٣٦) لهم أو لغيرهم من الموت فلم يجدوا (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَذِكْرى) لعظة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) عقل (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) استمع الوعظ (وَهُوَ شَهِيدٌ) (٣٧) حاضر (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أولها الأحد ، وآخرها الجمعة (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) (٣٨) تعب ، نزل ردا على اليهود في قولهم : إن الله استراح يوم السبت ، وانتفاء التعب عنه لتنزهه تعالى عن صفات المخلوقين ، ولعدم المماسة بينه وبين غيره (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَاصْبِرْ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم (عَلى ما يَقُولُونَ) أي اليهود وغيرهم من التشبيه والتكذيب (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) صل حامدا (قَبْلَ طُلُوعِ
____________________________________
(فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) أي ساروا فيها طالبين الهرب. قوله : (لهم أو لغيرهم) هذا يقتضي أن جملة (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) استثنائية من كلامه تعالى ، وحينئذ فالوقف على قوله : (فِي الْبِلادِ) ويكون في الكلام حذف ، والتقدير : ففتشوا في البلاد هاربين ، فلم يجدوا مخلصا ، فهل من قرار لهم أو لغيرهم؟ وقيل : إنها من كلامهم ، والتقدير : قائلين هل من محيص لنا.
قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ) (المذكور) أي من أول السورة إلى هنا. قوله : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ أَوْ) مانعة خلو تجوز الجمع وهو المطلوب ، فإن الموعظة لا تفيد ولا ينتفع بها صاحبها ، إلا إذا كان ذا عقل ، وأصغى بسمعه وأحضر قلبه ، فإن لم يكن كذلك فلا ينتفع بها. قوله : (استمع الوعظ) أي بكليته حتى كأنه يلقي شيئا من علو إلى أسفل. قوله : (وَهُوَ شَهِيدٌ) الجملة حالية أي ألقى السمع ، والحال أنه حاضر القلب ، غير مشتغل بشيء غير ما هو فيه ، وحضور القلب على مراتب ، مرتبة العامة أن يشهد الأوامر والنواهي من القارىء ، ومرتبة الخاصة أن يشاهد الشخص منهم أنه في حضرة الله تعالى يأمره وينهاه ، ومرتبة خاصة الخاصة أن يفنوا عن حسهم ويشاهدوا أن القارىء هو الله تعالى ، وإنما ترجمان عن الله تعالى.
قوله : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي تعليما لعباده التمهل والتأني في الأمور ، وإلا فلو شاء لخلق الكل في أقل من لمح البصر. قوله : (مِنْ لُغُوبٍ مِنْ) زائدة في الفاعل ، واللغوب مصدر لغب من باب دخل وتعب الإعياء والتعب ، والعامة على ضم اللام وقرىء شذوذا بفتحها ، والجملة إما حالية أو مستأنفة. قوله : (نزل ردا على اليهود) الخ ، أي فقالوا : خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، أولها الأحد ، وآخرها الجمعة ، ثم استراح يوم السبت واستلقى على العرش ، فلذلك تركوا العمل فيه ، فنزلت هذه الآية ردا عليهم وتكذيبا لهم في قولهم : استراح يوم السبت بقوله : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ). قوله : (ولعدم المماسة بينه وبين غيره) أي من الموجودات التي يوجدها ، والتعب والإعياء إنما يحصل من العلاج ومماسة الفاعل لمفعوله ، كالنجار والحداد وغير ذلك ، وهذا إنما يكون في أفعال المخلوقين. قوله : (إنما أمره) أي شأنه. قوله : (إذا أراد شيئا) أي إيجاد شيء أو إعدامه. قوله : (أن يقول له كن فيكون) أي من غير فعل ولا معالجة عمل ، وهذا على حسب التقريب للعقول ، وإلا ففي الحقيقة ، لا قول ولا كاف ولا نون. قوله : (من التشبيه) أي تشبيه الله بغيره ، إذ نسبوا له الإعياء والاستراحة وغير ذلك من كفرياتهم.
قوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) الخ ، أي حيث لم يهتدوا ولم يتبعوك ، فاشتغل بعبادة ربك ، ولا