قَبْلَ ذلِكَ) أي دخولهم الجنة (مُحْسِنِينَ) (١٦) في الدنيا (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (١٧) ينامون ، وما زائدة ، ويهجعون خبر كان ، وقليلا ظرف ، أي ينامون في زمن يسير من الليل ويصلون أكثره (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (١٨) يقولون : اللهم أغفر لنا (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١٩) الذي لا يسأل لتعففه (وَفِي الْأَرْضِ) من الجبال والبحار والأشجار والثمار والنبات وغيرها (آياتٌ) دلالات على قدرة الله سبحانه وتعالى ووحدانيته (لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠) (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) آيات أيضا ، من مبدأ خلقكم إلى منتهاه ، وما في تركيب خلقكم من العجائب (أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٢١) ذلك فتستدلون به على صانعه وقدرته (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) أي المطر المسبب عنه النبات الذي هو رزق (وَما تُوعَدُونَ) (٢٢) من المآب والثواب والعقاب أي مكتوب ذلك في السماء (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ) أي ما توعدون (لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣) برفع مثل صفة ،
____________________________________
قوله : (من الثواب) بيان لما. قوله : (كانُوا قَلِيلاً) الخ ، تفسير للاحسان. قوله : (وَبِالْأَسْحارِ) متعلق ب (يَسْتَغْفِرُونَ) المعطوف على (يهجعون) والباء بمعنى في و (بِالْأَسْحارِ) جمع سحر وهو سدس الليل الأخير. قوله : (يقولون اللهم اغفر لنا) أي تقصيرنا في حقك ، فإنه لا يقدرك أحد حق قدرك.
قوله : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ) أي بمقتضى كرمهم ، جعلوه كالواجب عليهم ، كصلة الأرحام ومواساة الفقراء والمساكين ، والمعنى : أنهم بذلوا نفوسهم وأموالهم في طاعة ربهم. قوله : (لتعففه) أي فيظن غنيا فيحرم الصدقة ، وهذا على حد تفسير القانع والمعتر. قوله : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) الخ ، الجار والمجرور خبر مقدم ، و (آياتٌ) مبتدأ مؤخر ، وقوله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) خبر حذف مبتدؤه لدلالة ما قبله عليه ، وهو كلام مستأنف قصد به الاستدلال على قدرته تعالى ووحدانيته ، وقد اشتمل على دليلين : الأرض والأنفس. قوله : (من الجبال) الخ ، بيان للأرض ، فالمراد بها ما قابل السماء. قوله : (دلالات على قدرة الله تعالى) الخ ، أي وجميع صفاته الكمالية. قوله : (من مبدأ خلقكم إلى منتهاه) أي كالأطوار المذكورة في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) إلخ. قوله : (وما في تركيب خلقكم) إلخ ، أي كحسن القامة وحسن الشكل ونحو ذلك. قوله : (أَفَلا تُبْصِرُونَ) جملة مستأنفة قصد بها الحث على النظر والتأمل.
قوله : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) كلام آخر قصد به الامتنان والوعد والوعيد. قوله : (أي المطر المسبب عنه النبات) أي فالكلام على حذف مضاف ، والتقدير وفي السماء سبب رزقكم. قوله : (وَما تُوعَدُونَ) عطف عام على قوله : (أي مكتوب ذلك) أي (ما تُوعَدُونَ) فهو تفسير لظرفية ما توعدون في السماء ، وأما ظرفية الرزق فيها فظاهرة ، إذا المطر فيها حقيقة ، والمعنى : أن جميع ما توعدون به من خير وشر ، مكتوب في السماء ، تنزل به الملائكة الموكلون بتدبير العالم على طبق ما أمروا به.
قوله : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الخ ، هذا قسم من الله تعالى ، على ما ذكره من الرزق وغيره ، وأنه مثل النطق في كونه حقا ، لا يفارق الشخص في حال من أحواله. قوله : (أي ما توعدون) أي رزقكم أيضا. قوله : (برفع مثل صفة) أي لحق. قوله : (وبفتح اللام) أي والقراءتان سبعيتان. قوله : (مركبة مع ما) أي حال كونها مركبة مع (ما) تركيب مزج ككلما وطالما ، فيقال في إعرابها (مِثْلَ ما) صفة (لَحَقٌ)