على من أهلكهم (وَقَوْمَ نُوحٍ) بالجر عطف على ثمود ، أي وفي إهلاكهم بما في السماء والأرض آية وبالنصب أي وأهلكنا قوم نوح (مِنْ قَبْلُ) أي قبل إهلاك هؤلاء المذكورين (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٤٦) (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) بقوة (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (٤٧) قادرون ، يقال : آد الرجل يئيد قوي ، وأوسع الرجل صار ذا سعة وقوة (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) مهدناها (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) (٤٨) نحن (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ) متعلق بقوله (خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) صنفين كالذكر والأنثى ، والسماء والأرض ، والشمس والقمر ، والسهل والجبل ، والصيف والشتاء ، والحلو والحامض ، والنور والظلمة (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٤٩) بحذف إحدى التاءين من الأصل ، فتعلمون أن خالق الأزواج فرد فتعبدونه (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) أي إلى ثوابه من عقابه ، بأن تطيعوه ولا تعصوه (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ
____________________________________
من النظر ، وقيل هو من الانتظار ، والمعنى ينتظرون ما وعدوه من العذاب. قوله : (على من أهلكهم) المناسب أن يقول : وما كانوا دافعين عن أنفسهم العذاب ، إذ لا يتوهم انتصارهم على الله ، وإنما يتوهم الفرار منه. قوله : (بالجر عطف على ثمود) هذا احد أوجه وهو أقربها. قوله : (وبالنصب) أي على أنه معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله : (وأهلكنا) وفيه أوجه أخر ، وهذا أحسنها ، وقيل منصوب باذكر مقدرا ، والقراءتان سبعيتان ، وقرىء شذوذا بالرفع على أنه مبتدأ ، والخبر محذوف أي أهلكناهم.
قوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها) قرأ العامة بنصب السماء على الاشتغال ، وكذا قوله : (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) وقرىء شذوذا برفعهما على الابتداء ، والخبر ما بعدهما ، والأفصح في النحو قراءة العامة ، لعطف الفعلية على الفعلية. قوله : (بِأَيْدٍ) حال من فاعل (بَنَيْناها) والمعنى بنيناها حال كوننا ملبسين بقوة وبطش ، لا بواسطة شيء ، بل بقول كن. قوله : (قادرون) فسر الإيساع بالقادرية ، إشارة إلى أن قوله : (إِنَّا لَمُوسِعُونَ) حال مؤكدة ، وهو من أوسع اللازم ، كأوراق الشجر إذا صار ذا ورق ، ويستعمل متعديا ، والمفعول محذوف أي لموسعون السماء ، أي جاعلوها واسعة ، وعليه فتكون حالا مؤسسة ، إذا علمت ذلك ، تعلم أن النسخ التي فيها لفظة لها بعد موسعون غير صحيحة ، لأنها لا تناسب إلا استعماله متعديا ، والمفسر استعمله لازما حيث قال : (وأوسع الرجل) الخ. قوله : (يقال آد الرجل) أي اشتد وقوي كما في المختار ، وبابه باع. قوله : (مهدناها) أي فالفرش كناية عن البسط والتسوية. قوله : (نحن) أي فالمخصوص بالذم محذوف. قوله : (متعلق بقوله) (خَلَقْنا) ويصح أن يكون متعلقا بمحذوف حال من (زَوْجَيْنِ) لأنه نعت نكرة قدم عليها. قوله : (صنفين) أي امرين متقابلين. قوله : (كالذكر والأنثى) أشار بتعداد الأمثلة إلى ما نشاهده ، فلا يرد العرش والكرسي واللوح والقلم ، فإنه لم يخلق من كل إلا واحد. قوله : (بحذف إحدى التاءين) أي وهذه إحدى القراءتين السبعيتين ، والأخرى ادغام التاء الثانية في الذال.
قوله : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) مفرع على ما علم من توحيد الله ، والمعنى : حيث علمتم أن الله واحد لا شريك له ، وأنه الضار النافع ، المعطي المانع ، فالجأوا إليه واهرعوا إلى طاعته ، والفرار مراتب ، ففرار العامة من الكفر والمعاصي إلى الإيمان والطاعة ، وفرار الخاصة من كل شاغل عن الله ، كالمال والولد ، إلى شهود الله والانهماك في طاعته ، فلا يصرف جزءا من اجزائه لغير الله ، فكما أن الله في خلق العبد واحد ،