مُبِينٌ) (٥٠) بين الإنذار (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥١) يقدر قبل ففروا قل لهم (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا) هو (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (٥٢) أي مثل تكذيبهم لك بقولهم : إنك ساحر أو مجنون ، تكذيب الأمم قبلهم رسلهم بقولهم ذلك (أَتَواصَوْا) كلهم (بِهِ) استفهام بمعنى النفي (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٥٣) جمعهم على هذا القول طغيانهم (فَتَوَلَ) أعرض (عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) (٥٤) لأنك بلغتهم الرسالة (وَذَكِّرْ) عظ بالقرآن (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (٥٥) من علم الله تعالى أنه يؤمن (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
____________________________________
فليكن العبد في إقباله على ربه واحدا ، بحيث لا يجعل في قلبه غير حب ربه ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. قوله : (أي إلى ثوابه من عقابه) الخ ، حمله على الفرار العام ، لأن اوامر القرآن ونواهيه لعامة الخلق التي من امتثلها فقد زحزح عن النار وادخل الجنة. قوله : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) تعليل لما قبله ، والضمير في (مِنْهُ) عائد على الله ، والمعنى فروا إليه لأني مخوف لكم منه.
قوله : (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الخ ، أشار بذلك إلى أن الطاعة لا تنفع مع الإشراك ، ولذا كرر قوله : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) فالفائز من جمع بين الطاعة والتوحيد ، والمعنى لا تنسبوا وصف الألوهية لغير الله ، فإنه لا يستحقه غيره. قوله : (يقدر قبل ففروا قل لهم) أي فهو مقول لقول محذوف وليس بمتعين ، إذ يصح أن تكون الفاء فصيحة ، والتقدير : إذا علمتم ما تقدم من صفات الله الكمالية (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) كما تقدم. قوله : (كَذلِكَ) خبر مقدم ، وقوله : (ما أَتَى) الخ ، مبتدأ مؤخر ، والمعنى تكذيب الأمم السابقة لأنبيائهم كائن كذلك ، أي كتكذيب أمتك لك كما افاده المفسر. قوله : (إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) تقدم أن (أَوْ) بمعنى الواو ، وحكمة جمعهم بين الوصفين ، أن خروجه عن عوائدهم وعما عليه آباؤهم ، وعدم مبالاته بالجم الغفير ، اقتضى تسميته مجنونا ، وإتيانه بالمعجزات التي بهرت عقولهم ، اقتضت تسميته ساحرا.
قوله : (أَتَواصَوْا بِهِ) أي اوصى بعضهم بعضا بهذه المقالة واجتمعوا عليها. قوله : (استفهام بمعنى النفي) أي فهو إنكار تعجبي ، والمعنى ما وقع منهم تواص بذلك ، لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد. قوله : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) إضراب عن الاستفهام المتقدم ، وبيان لحقية الباعث لهم على تلك المقالة.
قوله : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي اعرض عن خطابهم وجدالهم. قوله : (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) أي لا لوم عليك في الإعراض عنهم ، فإنك قد بلغت الغاية في النصح وبذل الجهد ، ولما نزلت هذه الآية ، حزن رسول الله ، واشتد الأمر على أصحابه ، وظنوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر ، إذ أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتولى عنهم ، وجرت عادة الله في الأمم السابقة ، متى امر رسولهم بالإعراض عنهم ، حل بهم العذاب فأنزل الله (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) فسروا بذلك ، ولذلك قيل إنها ناسخة لما قبلها ، ولكن الحق أن ما قبلها منسوخ بآية السيف قوله : (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) تعليل لقوله : (ذَكِّرْ) والمعنى لا تترك التذكير ، فربما انتفع به من علم الله إيمانه ، ويؤخذ من الآية أن البلاء لا ينزل بقوم وفيهم المتذكرون لما ورد : إن الله يطلع على عمار المساجد ، فيرفع العذاب عن مستحقيه.