أَهْلِنا) في الدنيا (مُشْفِقِينَ) (٢٦) خائفين من عذاب الله (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالمغفرة (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) (٢٧) أي النار لدخولها في المسام وقالوا إيماء أيضا (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) أي في الدنيا (نَدْعُوهُ) أي نعبده موحدين (إِنَّهُ) بالكسر استئنافا وإن كان تعليلا معنى ، وبالفتح تعليلا لفظا (هُوَ الْبَرُّ) المحسن الصادق في وعده (الرَّحِيمُ) (٢٨) العظيم الرحمة (فَذَكِّرْ) دم على تذكير المشركين ولا ترجع عنه لقولهم لك : كاهن مجنون (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) أي بإنعامه عليك (بِكاهِنٍ) خبر ما (وَلا مَجْنُونٍ) (٢٩) معطوف عليه (أَمْ) بل (يَقُولُونَ) هو (شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (٣٠) حوادث الدهر ، فيهلك كغيره من الشعراء (قُلْ تَرَبَّصُوا) هلاكي (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) (٣١) هلاككم ، فعذبوا بالسيف يوم بدر ، والتربص الانتظار (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) عقولهم (بِهذا) أي قولهم له : ساحر كاهن شاعر مجنون ، أي لا تأمرهم بذلك (أَمْ) بل (هُمْ
____________________________________
(وما وصلوا إليه) أي من نعيم الجنة. قوله : (قالُوا) أي قال المسؤول للسائل. قوله : (إيماء) أي إشارة. وقوله : (إلى علة الوصول) أي محطها. قوله : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا).
قوله : (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا) الخ ، أي وشأن من كان في أهله وعزوته أن يكون آمنا ، فخوفهم من الله في تلك الحالة ، دليل على خوفهم في غيرها بالأولى ، فهم دائما خائفون ، ويحتمل أن قوله : (مُشْفِقِينَ) من الشفقة وهي الرفق ، أي نرفق بأهلنا وغيرهم. قوله : (لدخولها في المسام) هذا بيان لوجه تسميتها سموما ، فالسموم من أسماء جهنم ، وهي في الأصل الريح الحارة التي تتخلل المسام. قوله : (وقالوا إيماء أيضا) أي إلى علة وصولهم إلى النعيم ، ومحط العلة قوله : (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ.) قوله : (أي نعبده) أي أو نسأله الوقاية من النار ، ودخول دار القرار. قوله : (وبالفتح تعليلا لفظا) أي والقراءتان سبعيتان. قوله : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) الباء سببية مرتبطة بالنفي المستفاد من ما ، والمعنى : انتفى كونك كاهنا أو مجنونا ، بسبب إنعام الله عليك ، بكمال العقل وعلو الهمة والعصمة. قوله : (بِكاهِنٍ) أي مخبر بالأمور المغيبة من غير وحي. قوله : (خبر ما) أي فهي حجازية ، والباء زائدة في خبرها.
قوله : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ) اعلم أن (أَمْ) ذكرت في هذه الآيات خمس عشرة مرة ، وكلها تقدر ببل والهمزة ، فهي للاستفهام الإنكاري التوبيخي ، إذا علمت ذلك ، فالمناسب للمفسر أن يقدرها في الجميع ببل والهمزة. قوله : (حوادث الدهر) في الكلام استعارة تصريحية ، حيث شبهت حوادث الدهر بالريب الذي هو الشك بجامع التحير ، وعدم البقاء على حالة واحدة في كل ، وقيل : المنون المنية لأنها تنقص العدد وتقطع المدد.
قوله : (قُلْ تَرَبَّصُوا) أمر تهديد على حد اعملوا ما شئتم. قوله : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) جمع حلم ، يطلق على الأناة وعلى العقل ، وهو المراد هنا. قوله : (أي قولهم له ساحر كاهن شاعر مجنون) أي وهذا تناقض ، فإن شأن الكاهن أن يكون ذا فطنة ورأي ، وشأن الشاعر والساحر كذلك ، ونسبتهم الجنون له بعد ذلك مناقضة. قوله : (أي لا تأمرهم) أشار بذلك إلى أن الاستفهام المستفاد من (أَمْ) إنكاري ، وفيه توبيخ أيضا.