قَوْمٌ طاغُونَ) (٣٢) بعنادهم (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) اختلق القرآن ، لم يختلقه (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣) استكبارا ، فإن قالوا اختلقه (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ) مختلق (مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) (٣٤) في قولهم (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي خالق (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) (٣٥) أنفسهم ، ولا يعقل مخلوق بدون خالق ، ولا معدوم يخلق ، فلا بد لهم من خالق هو الله الواحد ، فلم لا يوحدونه ويؤمنون برسوله وكتابه؟ (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ولا يقدر على خلقها إلا الله الخالق ، فلم لا يعبدونه؟ (بَلْ لا يُوقِنُونَ) (٣٦) به ، وإلا لآمنوا بنبيه (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) من النبوة والرزق وغيرهما ، فيخصوا من شاؤوا بما شاؤوا (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) (٣٧) المتسلطون الجبارون ، وفعله سيطر ومثله بيطر وبيقر (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) مرقى إلى السماء (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) أي عليه كلام الملائكة حتى يمكنهم منازعة النبي بزعمهم إن ادّعوا ذلك (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ) أي مدّعي الاستماع عليه (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٣٨) بحجة بينة واضحة ، ولشبه هذا الزعم بزعمهم أن
____________________________________
قوله : (أَمْ) (بل) (هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) المناسب للمفسر أن يقدر (أَمْ) ببل والهمزة ، ليوافق قوله فيما يأتي ، والاستفهام بأم في مواضعها الخ ، والمعنى : لا ينبغي منهم هذا الطغيان. قوله : (لم يختلقه) أشار به إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) جواب شرط مقدر قدره المفسر بقوله : (فإن قالوا اختلقه) والأمر للتعجيز. (ولا يعقل مخلوق بدون خالق) راجع لقوله : (خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) وقوله : (ولا معدوم يخلق) راجع لقوله : (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) والمعنى : أنهم لو كانوا هم الخالقين لأنفسهم ، وأنفسهم كانت معدومة أولا ، لزم أن يكونوا في حالة العدم ، وجدوا أنفسهم أو أخرجوها من العدم ، فيكون المعدوم خالقا ، وهذا لا يعقل. قوله : (وإلا لآمنوا بنبيه) أي فحيث لم يترتب على إيقافهم بالله ، إقبال على توحيد وتصديق نبيه ، جعل إيقانهم كالعدم ، وفيه تسلية له صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) لم يبين أن الاستفهام إنكاري ، مع أنه كذلك. والمعنى : ليس عندهم خزائن ربك ، والمراد بخزائنه مقدوراته ، شبهت بها لأن خزانة الملوك بيت مهيؤ لجمع أنواع مختلفة من الذخائر التي يحتاج إليها. قوله : (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) اعلم أنه لم يأت على وزن مفيعل إلا خمسة ألفاظ ، أربعة صفة اسم فاعل : مهيمن ومبيقر ومبيطر ومسيطر ، وواحد اسم جبل وهو محيمر. قوله : (المتسلطون) أي الغالبون على الأشياء ، يدبرونها كيف شاؤوا. قوله : (ومثله بيطر) أي عالج الدواب ومنه البيطار ، وقوله : (وبيقر) أي أفسد وأهلك ، فالحاصل أن معنى المهيمن الرقيب والمبيقر المفسد ، والمسيطر المتسلط الجبار ، والمبيطر المعالج للدواب. قوله : (أي عليه كلام الملائكة) أشار بذلك إلى أن مفعول (يَسْتَمِعُونَ) محذوف ، وفي بمعنى على. قوله : (بزعمهم) متعلق بقوله : (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ.) قوله : (إن ادعوا ذلك) أي الاستماع من الملائكة ، والمعنى : إن فرض أنهم ادعوه فليأت مستمعهم الخ. قوله : (ولشبه هذا الرغم) الخ ، أشار بذلك إلى وجه المناسبة بين الآيتين ، ووجه الشبه بين الزعمين ، أن كلا منهما فاسد ، وإن كان الزعم الأول فرضيا ، والثاني تحقيقيا لوقوعه منهم. قوله : (أي بزعمكم) أي دعواكم واعتقادكم.