أما الرد والانتقاد فما كانوا يكتفون فيها بالحاشية بل يكتبون فيها رسالات مستقلة ( وأما المسائل الفرعية ) فإن الحواشي عليها إما مختصرة فتوائية وهي التي يكتب المحشي ما يستنبطه من الحكم في المسألة على خلاف ما استنبطه الماتن (١) ، وإما مشروحة يتضمن البحث في أسناد الاخبار المستدلة بها أو في كيفية الاستدلال والاستنباط ، أو انتقاد خفيف.
٣ ـ الحواشي على العلوم العقلية ـ وكانت قد تقلصت في العهد التيموري الأخير ـ فبما كان لأصحابها الحق في إظهار النظر واتخاذ رأي يرونه حقا عندهم صارت معركة للآراء المتخالفة. فما كان أحدهم يكتب رسالة أو كتابا الا وتتوارد عليه الحواشي ، وما كان تبرز حاشية وتشتهر بين قرائها حتى يصير هدفا يتقاطر عليها سهام الحواشي نصرة لمؤلف الكتاب على المحشي الأول أو إبداء لرأي ثالث ، وربما جاء آخر يتحاكم بين هؤلاء
وعلى أي فأنا نرى أن الكتب بضميمة الحواشي تخرج عما كانت عليه سابقا ، ويعد مجموعة تأليفا جديدا للمحشي لأنه ألف بعضه إمضاء وبعضه الآخر إبداعا كما هو الحال في أكثر التصانيف المستقلة أيضا حيث يجمع المؤلف فيها بين جملة من المطالب التي تعرض لها غيره من قبل ، وبين ما يبدعه هو نفسه. غاية الأمر أن المحشي لا يتعب نفسه الا في كتابه ما أبدعه في الهامش فقط ، ولهذا فقد كثرت عدد الحواشي بحيث خرجت عن حد الإحصاء. ولجميع هذه الأقسام أهميتها التاريخية للبحث عن التطور العقلي للمجتمع الذي ولدت فيه هذه الأفكار.
ثم إنه قد يدون الحاشية في خارج الكتاب مستقلا ، وقد يبقى على حاله في الهامش ، وليست كلما لم تدون فهي غير مفيدة ولا قابلة للذكر في عداد التصانيف ، كما أنه ليست كلما دون فهي مفيدة. فما نذكره هنا ليست الا أنموذجا من مشاهيرها مع مراعاة الكمية والكيفية فيها ، بأن يكون بحيث يعد رسالة فلا نتعرض لما يقل عن ذلك.
( آداب البحث ) للقاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد اللايجي المتوفى (٧٥٦) أوله ( لك الحمد والمنة ). وعليها حواش وشروح كثيره تأتي بعضها في الشين.
__________________
(١) كما سيجيء بعنوان الرسائل العملية ، والحواشي عليها.