تحليل الوضع والدلالة :
ثمّ لا يخفى عليك أنّ ما اخترناه في حقيقة الوضع يتحصّل في أنّ الواضع يعيّن اللفظ للمعنى لاعتبار الاختصاص والارتباط بينهما فالوضع هو تعيين اللفظ بإزاء المعنى والتعيين هو فعل صادر من الواضع كالإيجاب الصادر من البائع والاختصاص والارتباط أمر اعتباريّ يحصل في وعاء الاعتبار بالتعيين المذكور كالملكيّة الحاصلة بفعل الموجب فالوضع أمر تكوينيّ وهو التعيين. والارتباط والاختصاص وهو لازم الوضع والتعيين امر اعتباريّ وهو المعبّر عنه بالدلالة الشأنيّة إذ هذه الرابطة الاعتباريّة بحيث إذا علم المخاطب بأحدهما ينتقل إلى الآخر. ثمّ إنّ الدلالة الفعليّة يتوقّف على العلم بهذا الاعتبار فمن علم به وارتكز في نفسه أنّ الواضع اعتبر الاختصاص والارتباط بين اللفظ والمعنى متى سمع اللفظ انتقل منه إلى المعنى وحصل الدلالة الفعليّة فالارتباط الاعتباريّ ليس بوضع بمعناه المصدريّ بل هو حاصل منه كما أنّ الدلالة الفعلية ليست بنفسها وضعا بل متأخّرة عن الوضع بمراتب متعدّدة ؛ الاولى : هو تعيين الواضع لفظا للمعنى والثانية : اعتبار الارتباط والاختصاص بينهما ، والثالثة : هو علم السامع بتلك الامور ، والرابعة : هو الانتقال من اللفظ إلى المعنى. فالتكوينيّ هو نفس التعيين وأمّا الارتباط فهو ليس إلّا أمرا اعتباريّا ولا يحتاج حصوله إلى التكرّر كما لا يخفي.
وممّا ذكر يظهر ما في كلام السيّد الشهيد الصدر قدسسره حيث قال : والتحقيق أنّ الوضع يقوم على أساس قانون تكوينيّ للذهن البشريّ وهو أنّه كلّما ارتباط شيئان في تصوّر الإنسان ارتباطا مؤكّدا أصبح بعد ذلك تصوّر أحدهما مستدعيا لتصوّر الآخر وهذا الربط بين تصوّرين تارة بصورة عفويّة كالربط بين سماع الزئير وتصوّر الأسد الذي حصل نتيجة التقارن الطبيعيّ المتكرّر بين سماع الزئير ورؤية الأسد واخرى