يحصل بالعناية التي يقوم بها الواضع إذ يربط بين اللفظ وتصوّر معنى مخصوص في ذهن الناس فينتقلون من سماع اللفظ إلى تصوّر المعنى والاعتبار الذي تحدّثنا عنه في الاحتمال الثاني ليس إلّا طريقة يستعملها الواضع في إيجاد ذلك الربط والقرن المخصوص بين اللفظ وصورة المعنى فمسلك الاعتبار هو الصحيح ولكن بهذا المعنى وبذلك صحّ أن يقال أنّ الوضع قرن مخصوص بين تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى بنحو أكيد لكي يستتبع حالة اثارة أحدهما للآخر في الذهن. (١)
والظاهر من كلامه أنّ الوضع هو نفس القرن والمقارنة بين تصوّر اللفظ والمعنى بحيث يستتبع تصوّر أحدهما تداعى تصوّر الآخر وهذا القرن ليس أمرا اعتباريّا بل هو أمر تكوينيّ ويؤيّد ذلك ما قاله بعض مقرّريه من أنّ الواضع بحسب الحقيقة يمارس عمليّة الإقران بين اللفظ والمعنى بشكل أكيد بالغ وهذا الاقتران البالغ إذا كان على أساس العامل الكمّيّ (كثرة التكرار) سمّي بالوضع التعيّنيّ وإذا كان على أساس العامل الكيفيّ سمّي بالوضع التعيينيّ فالوضع ليس مجعولا من المجعولات الانشائيّة والاعتباريّة كالتمليك بعوض المجعول في باب البيع مثلا وإنّما هو أمر تكوينيّ يتمثّل في إشراط مخصوص بين اللفظ والمعنى المحقّق لصغرى قانون الاستجابة الشرطيّة الذي هو قانون طبيعيّ وقد يستخدم الإنشاء لإيجاد هذا الإشراط كما في الوضع التعيينيّ ولكن هذا لا يعني أنّ الإشراط هو المنشأ بل نفس الإنشاء بما هو عمليّة تكوينيّة تصدر خارجا يحقّق الإشراط المطلوب. (٢)
ولا يخفى عليك أنّ الوضع عنده هو نفس الإشراط وهو الاقتران بين اللفظ والمعنى وهو أمر تكوينيّ ولو من ناحية الإنشاء مع أنّ الوضع التعيينيّ عندنا هو تعيين
__________________
(١) دروس في علم الاصول ، الحلقة الثانية / ٧٨.
(٢) بحوث في علم الاصول ١ / ٨٢.