وطبيعيّ المسند الحاكيان عن إيقاع المادّة ونسبتها غير المفروغ وقوعهما بل يرى وجودهما معلولين لنفس هذا الإنشاء. (١)
وفيه أنّ النسبة في مثل قول من أنشأ البيع وقال : بعت ، لا تحكي عن الإيقاع ولا الطبيعيّ الحاكي عنه وإلّا لزم أن يكون سابقا عليه بل يكون آلة ووسيلة لإيجاد البيع فالجملة الإنشائيّة لا تحكي عن شيء بل هو إنشاء وإيجاد اعتباريّ. ولعلّ منشأ هذا القول هو الخلط بين إخطار المعنى المستعمل فيه وقصده وبين الحكاية عنه فإنّه من قال في مقام الإنشاء بعت أخطر معنى البيع في ذهنه وقصده ثمّ أنشأ هذه الحقيقة لا أنّه حكى عن هذه الحقيقة قبل تحقّقها باستعمال الهيئة والمادّة فإنّه مستحيل فمن جعل الجمل الإنشائيّة إيقاعيّة فلا وجه لذهابه إلى الحكاية عن المعنى الايقاعيّ فالحكاية والإنشاء لا يجتمعان فلا تغفل.
نعم من زعم عدم معقوليّة جعل الجمل إنشائيّة وإيقاعيّة فلا مناص له إلّا أن يجعل الجمل الإنشائيّة حاكية عن شيء في النفس كالإرادة أو التمنّي أو الترجّي ونحوها كما ذهب إليه صاحب الدرر قدسسره حيث قال : وأمّا الإنشائيّات فكون الألفاظ فيها علّة لتحقّق معانيها مما لم أفهم له معنى محصّلا ضرورة عدم كون تلك العلّيّة من ذاتيّات اللفظ وما ليس علّة ذاتا لا يمكن جعله علّة لما تقرّر في محلّه من عدم قابليّة العلّيّة وأمثالها للجعل. والذي اتعقّل من الإنشائيّات أنّها موضوعة لأن تحكي عن حقائق الإرادة الموجودة في النفس مثلا هيئة افعل موضوعة لأن تحكي عن حقيقة الإرادة الموجودة في النفس فإذا قال المتكلّم اضرب زيدا وكان في النفس مريدا لذلك فقد أعطت الهيئة المذكورة معناها وإذا قال ذلك ولم يكن مريدا واقعا فالهيئة المذكورة ما استعملت في معناها نعم بملاحظة حكايتها عن معناها ينتزع عنوان آخر لم يكن
__________________
(١) بدائع الأفكار ١ / ٦٤.