متحقّقا قبل ذلك وهو عنوان يسمّى بالوجوب وليس هذا العنوان المتأخّر معنى الهيئة إذ هو منتزع من كشف اللفظ عن معناه ولا يعقل أن يكون عين معناه. (١)
ولكن لا يخفى عليك ضعف هذه المزعمة حيث أنّ ما لا معنى له هو جعل شيء علّة تكوينيّة لشيء آخر لعدم قابليّة العلّيّة التكوينيّة وأمثالها للجعل بل هي متوقّفة على واجديّة شيء لمراتب المعاليل حتّى يكون علّة لها فإن كان شيء واجدا لتلك المراتب كان علّة وإلّا فلا يمكن أن يكون علّة لأنّ فاقد الشيء لا يكون معطيا له والواقع لا ينقلب عمّا عليه. وأمّا جعل شيء علّة اعتباريّة لشيء آخر فهو بمكان من الإمكان فيما إذا اعتبره العقلاء وعليه فلا إشكال في اعتبار الجمل أو هيئة افعل علّة لتحقّق شيء اعتباريّ كإنشاء البعث أو إنشاء التمليك والتملّك أو إنشاء التزويج والتزوّج أو غير ذلك ممّا ينشأ بالعقود والإيقاعات. لأنّ الامور الاعتباريّة لا تتوقّف على الواقعيّة الخارجيّة بل تتوقّف على الاعتبار العقلائيّ هذا بخلاف التكوينيّة أو الامور الانتزاعيّة فإنّها تابعة للواقعيّات الخارجيّة فما ليس بعلّة تكوينيّة لشيء ليس بعلّة له وإن اعتبر علّة له وما ليس بالنسبة إلى شيء آخر فوقه أو تحته أو غيرهما من الامور الانتزاعيّة لم يصر كذلك وإن اعتبر كذلك لأنّ الواقعيّات لا تنقلب عمّا هي عليه ، كما لا يخفى. وبالجملة فلا حكاية في الجمل الإنشائيّة وصيغ الأمر والنهي بل كلّها معتبرة عند العقلاء آلة للإيجاد الإنشائيّ. نعم تدلّ هذه الجمل والصيغ بدلالة الاقتضاء على أنّ المتكلّم بها مريدا لما أنشأه بها ولكن هذه الدلالة دلالة اقتضائيّة عقليّة ولا تعدّ إخبارا وحكاية فإنّها من باب الدلالة اللفظيّة لا العقليّة.
والعجب مما ذهب إليه استاذنا الفريد قدسسره من أنّ قصد التحقّق في الإنشاءات متأخّر عن قصد تفهيم المعنى وذلك لأنّ الإنشاءات ألفاظ وضعت لإنشاء المعاني فيستعملها
__________________
(١) الدرر ١ / ٧١.