المتكلّم والمنشئ بقصد الإنشاء والتحقّق. وأمّا قصد تفهيم المعاني فلا واقع له كما يشهد به الوجدان فمثل قوله بعت الإنشائيّ يدلّ على إنشاء البيع لا أنّه يدلّ أوّلا على تفهيم المعنى وهو البيع ثمّ يدلّ ثانيا ومتأخّرا عنه على إنشاء البيع ، هذا مضافا إلى عدم معقوليّة ذلك لأنّ البيع الذي يكون متأخّرا كيف يخبر عن تحقّقه بالفعل قبل تحقّقه.
ولعلّ مراده ممّا ذكر أنّ ألفاظ الإنشاء ألفاظ موضوعة لمعاني الألفاظ المهملة ولكن الدلالة حينئذ تكون دلالة تصوّريّة لا دلالة تصديقيّة حكائيّة كما لا يخفى. وكيف كان فلا إشكال في إمكان اعتبار الجمل الإنشائيّة إيجاديّة وإيقاعيّة وآلة للإنشاء وأمّا إثبات ذلك فيكفيه بناء العقلاء على ذلك في معاملاتهم وعقودهم وإيقاعاتهم الرائجة فإنّهم استعملوا الألفاظ بقصد الإيجاد لا بقصد الحكاية كما أنّ جعل المناصب كمنصب القضاوة أو الوزارة ونحوهما تكون كذلك فإنّ الجاعل إذا قال جعلتك قاضيا أو وزيرا قصد إنشاء هذه المناصب لا مجرّد الإخبار عن إرادته لهذه المناصب أو بنائه عليها ولعلّه من هذا الباب قوله عليهالسلام (في مقبولة عمر بن حنظلة) : ... فإنّي قد جعلته عليكم حاكما. فتدبّر جيدا.
هذا مضافا إلى أنّه لو كان الأوامر مستعملة في الحكاية عن الأمر النفسانيّ وهو الإرادة لما كان فرق في المعنى بين : أنا أريد منك الضرب وبين : اضرب مع أنّ الفرق بينهما واضح جدّا ، إذ الثاني المعبّر عنه بالفارسيّة بقولنا : بزن ، بعث لا صرف الحكاية عن إرادة الضرب فلا تغفل.
* * *
الخلاصة :
١ ـ الوضع باعتبار نفس اللفظ ينقسم إلى أربعة :
الأوّل : أن يلاحظ الواضع طبيعة لفظ معيّن بمادّته وهيئته ثمّ يضعها بإزاء المعنى