عقليّا وذهنيّا وللنزاع في كون حسن هذه الاستعمالات بالوضع أو بالطبع مجال وإن شئت قل إنّ الواضع اشترط أن يستعمل هذا اللفظ بما له من المفهوم فانيا في مصداقه الحقيقيّ فيرجع ذلك الاشتراط إلى تخصيص الوضع بحصّة من ذلك المعنى. (١)
وكيف كان فممّا ذكر يظهر أيضا أنّ المركّب الذي اريد به المعنى المجازيّ مجاز أيضا وإن استعملت مفرداتها في معانيها الموضوعة لها ابتداء إذ المقصود منها ليس معانيها الحقيقيّة ولذا قال في هداية المسترشدين : فلا يبعد أن يقال بكون ما اشتمل عليه من المفردات مجازا أيضا وإن استعملت في معانيها الموضوعة لها ابتداء إذ المقصود منها حينئذ إحضار معناها التركيبيّ والانتقال منها إلى المعنى المجازيّ فلا يكون معانيها الحقيقيّة هي المقصودة بالإفادة فدعوى كونها إذن مستعملة في معانيها الحقيقيّة وأنّ التجوّز إنّما هو في المركّبة كما في شرح التخليص ليست على ما ينبغي إلّا أن يبنى على كون المناط في استعمال اللفظ في المعنى كونه مرادا من اللفظ ابتداء وإن اريد الانتقال منه إلى غيره وقد عرفت ما فيه. انتهى (٢)
وعليه فالمفردات في مثل قولهم : (أراك تقدّم رجلا وتؤخّر اخرى) وإن استعملت في معانيها الحقيقيّة ابتداء ولكن مع ذلك لا يكون الاستعمال المذكور حقيقيّا لأنّ المعاني الحقيقيّة ليست مقصودة بالإفادة. فلا يصحّ جعل المركّبات كالمركّب المذكور من الشواهد على دعوى كون الاستعمال فيما إذا انطبق المعنى على الفرد الادّعائيّ حقيقيّا بل هو كالاستعمالات الكنائيّة يكون من المجازات وكيف كان فللنزاع في أنّ حسن الاستعمال المجازيّ تابع للوضع أو الطبع مجال سواء قلنا بالتصرّف في ناحية المراد لا المستعمل فيه كما ذهب إليه صاحب الوقاية أو قلنا بما قال السكّاكيّ في الاستعارة أو
__________________
(١) بدائع الأفكار ١ / ٨٧.
(٢) هداية المسترشدين / ٣٦.