ثمّ إنّه يتّضح الجواب بعد ما ذكر عن هذا السؤال : «إنّ حمل اللفظ على المعنى الحقيقيّ والحكم بكونه مرادا للمتكلّم عند الدوران بينه وبين المعنى المجازيّ هل يكون بالوضع أو بغيره؟» فإنّ في هداية المسترشدين قال : هل يكون ذلك الأصل من القواعد الوضعيّة المقرّرة من الواضع بتعيينه ووضعه سوى وضعه المتعلّق بالألفاظ فيكون مستفادا من ملاحظة السيرة والطريقة المستمرّة حسب غيره من الأوضاع العامّة والقواعد الكلّيّة المتلقّاة منه أو أنّه لا حاجة فيها إلى وضع سوى وضع الألفاظ لمعانيها إذ بعد دلالة الألفاظ على المعاني يكون التصدّي لاستعمالها في مقام البيان مع شعور المكلّف (١) وعدم شعور غفلته وذهوله شاهدا على إرادة معناه ومدلوله فيكون كدلالة الإشارات على مقصود المشير فيكون الأصل المذكور متفرّعا على الوضع من غير أن يكون متعلّقا لوضع الواضع وإن كان الغاية الملحوظة في الألفاظ هو فهم المراد إذ لا يلزم من ذلك أن يكون ترتّبها عليه بلا واسطة وقد يقال إن يكون الألفاظ موضوعة للدلالة على معانيها من حيث كونها مرادة للمتكلّم مقصودة فالوضع هو تعيّن اللفظ أو تعيينه ليدلّ على كون المعنى مرادا للمتكلّم لا لمجرّد الدلالة على المعنى وإحضاره بالبال كما هو الظاهر وكان ذلك مراد القائل بكون الدلالة تابعة للإرادة لانتفاء الدلالة المذكورة في المجاز بعد قيام القرينة الصارفة. إلى أن قال : وعلى هذا الوجه أيضا تكون دلالة الألفاظ على كون معانيها مقصودة للمتكلّم وضعيّة فيكون الأصل المذكور مستندا إلى الوضع أيضا إلّا أنّ الوجه المذكور بعيد عن ظاهر الأوضاع فإنّ الظاهر كون الحاصل من نفس الوضع مجرّد الإحضار ودلالة اللفظ على كون ذلك مرادا للمتكلّم حاصلة بعد ذلك بأمر آخر. (٢)
__________________
(١) المتكلّم ظ
(٢) نفس المصدر / ٣٩.