فيه وأيضا كون بعض الأسباب هو القدر المتيقّن لا ينافي شمول دليل الإمضاء لغير القدر المتيقّن بعد كونه مطلقا كما هو المفروض ألا ترى أنّه إذا قيل جئني بإنسان يشمل بإطلاقه كلّ فرد من أفراد الإنسان ولا يوجب كون بعض القدر المتيقّن كرجال العلم خللا في إطلاقه.
ولقد أفاد وأجاد في المحاضرات حيث قال إنّ الإيراد المزبور إنّما يتمّ لو كان هناك مسبب واحد وله أسباب عديدة ولا يعقل أن يكون لمسبّب واحد أسباب متعدّدة على الجميع بل لكلّ سبب مسبّب فإمضاؤه بعينه إمضاء لسببه. (١)
ولقد أفاد وأجاد أيضا في بدائع الأفكار حيث قال : أمّا كون إمضاء المسبب يستلزم إمضاء السبب فتقريبه من وجوه : الأوّل : وهو الذي عليه المعوّل أنّ الدليل الذي دلّ على إمضاء المسبّب مثل قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ،) بما أنّه قد دلّ بإطلاقه على إمضاء كلّ فرد من أفراد المسبّب في العرف يكون دالّا بالملازمة والاقتضاء على كلّ سبب يتسبّب به في العرف إليه وإلّا كان إطلاق دليل المسبّب مقيّدا بغير ذلك السبب الذي يدّعى عدم إمضائه أو لا يكون له إطلاق فيما لو شكّ في إمضاء سبب من أسباب ذلك المسبّب وهو على كلا طرفي الترديد خلاف الفرض. (٢)
عدم اختصاص أدلّة النفوذ بالمسبّبات
هذا مضافا إلى إمكان منع اختصاص أدلّة الإمضاء أو الردّ بالمسبّبات. ألا ترى قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ظاهر في المنع عن الأكل بسبب باطل وجوازه بسبب صحيح كالتجارة ومن المعلوم أنّ المسبّب الباطل لا وجود له حتّى يمكن المنع عن الأكل بسببه وبقرينة المقابلة يكون المراد من
__________________
(١) المحاضرات ١ / ١٩٢.
(٢) بدائع الأفكار ١ / ١٤٢.