أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ...) الآية (١). هذا مضافا إلى أنّ استحالة الاستعمال في القرآن الكريم لا يدلّ على امتناع الاشتراك مطلقا كما لا يخفى.
منها : أنّ الوضع عبارة عن جعل اللفظ وتعيينه للمعنى وفانيا فيه وفناء اللفظ بتمامه لتمام المعنى لا يقبل التعدّد ولا يعقل أن يكون شيء واحد فانيا دفعة واحدة فناءين في أمرين متباينين كما لا يعقل أن يكون وجود واحد وجودا للماهيّتين.
وفيه : أنّ حقيقة الوضع هو تخصيص اللفظ وتعيينه للمعنى ممّن يصلح لأن يتّبع كما مرّ في محلّه وهذا التخصيص والتعيين يؤول في الحقيقة إلى اعتبار الواضع الارتباط والاختصاص والعلقة بين طبيعة لفظ خاصّ وطبيعة معنى خاصّ أو ماهيّته فالارتباط والاختصاص أمر اعتباريّ يحصل بفعل الواضع وهو تخصيصه وتعيينه للفظ بالنسبة إلى معناه. ومن المعلوم أنّ في مرحلة الوضع لا تنزّل بين اللفظ والمعنى بحيث يجعل اللفظ وجودا لفظيّا لمعناه إذ التنزيل يحتاج إلى مئونة زائدة ولا شاهد عليه ومجرّد سراية القبح والحسن من المعنى إلى اللفظ لا يكون شاهدا على التزيل لأنّ السراية معقولة أيضا فيما إذا كان اللفظ علامة على المعنى وحاكيا عنه. كما ليس في تلك المرحلة هو هويّة وفناء اللفظ في المعنى إذ لا شاهد عليه ومجرّد كون إلقاء اللفظ إلقاء المعنى لا يكون دليلا على أنّ بينهما هو هويّة واتّحاد لإمكان أن يكون ذلك من جهة ارتباط اللفظ بالمعنى ارتباطا أكيدا لا من جهة فناء اللفظ في المعنى. هذا مضافا إلى أنّ الفناء في مرحلة الوضع مع الالتفات إلى اللفظ غير معقول ولا مجال لتوهّم عدم الالتفات بالنسبة إلى اللفظ في حال الوضع مع أنّ الواضع في صدد جعل الارتباط والعلقة بين اللفظ والمعنى بتخصيصه اللفظ للمعنى. وتوهّم الفناء في لحاظ المتكلّم عند الاستعمال لا يوجب امتناع جعل الواضع إيّاه مستعدّا للمرآتيّة بالنسبة إلى المعنيين
__________________
(١) آل عمران / ٧.