ذكر تعرف أنّ الوضع الثاني غير ناقض ولا مناقض للوضع الأوّل فإنّه إنّما يكون كذلك إذا كان الوضع جعل اللفظ علّة تامّة وإلّا فاللفظ باق على اقتضائه حتّى مع القرينة المعيّنة لمعنى آخر. انتهى موضع الحاجة من كلامه (١).
منها : أنّ الاشتراك يناقض حقيقة الوضع لأنّ الوضع اختصاص اللفظ بالمعنى ولازم اختصاص الشيء بالشيء هو حصره فيه وعليه يكون استعمال اللفظ الموضوع للمعنى منحصرا فيه وينحصر إراءته به وهذا المعنى ينافيه الاشتراك إذا انحصار اللفظ في المعنى الموضوع له يضادّ إراءته لمعنى آخر واستعماله فيه.
وفيه كما في المقالات أنّا نمنع اقتضاء الوضع للحصر جدّا إذ لا نعني من الوضع إلّا مجرّد جعل اللفظ بإزاء معنى وتعيينه له وهذا المعنى قابل للتحقّق بالنسبة إلى المعنيين أو أزيد غاية الأمر نتيجته صلاحيّته للإراءة بالنسبة إلى كلّ واحد فيحتاج فعليّته إلى قرينة شخصيّة وحيث أنّ بنفس هذا الجعل يخرج اللفظ من إطلاق قابليّته الإراءة بالنسبة إلى غير المجعول ينتزع نحو اختصاص حاصل بينهما. وهذا المعنى من الاختصاص لا يوجب حصر القالبيّة له بل ومع تعدّد الوضع يتحقّق للفظ أيضا نحو اختصاص بالإضافة إلى غير الموضوع له أوّلا ولئن شئت قلت هذا المقدار من الاختصاص لا يقتضي أزيد من صلاحيّة اللفظ للإراءة لا فعليّتها. (٢)
فمن سمّى ابنه باسم من الأسامي الرائجة لا يقصد منه هجر اللفظ عن أبناء غيره ممّن سمّاه به قبله بل غرضه اشتراك ابنه مع أبناء غيره في الاسم المذكور كما أنّ من سبقه في الاسم لا يقصد من وضع الاسم لابنه حصر اللفظ فيه بحيث ينافيه تسمية غيره ابنه بذلك الاسم وليس ذلك إلّا لعدم إفادة الوضع للحصر وإلّا فلا مجال
__________________
(١) نهاية النهاية ١ / ٨٥.
(٢) مقالات الاصول ١ / ٤٦.