ووجدت حقيقة أخرى وصورة نوعيّة ثانية وهي صورة النوعيّة الترابيّة أو الملحيّة ومن الواضح أنّ الإنسان أو الكلب لا يصدق على التراب أو الملح بوجه من الوجوه لأنّ الذات غير باقية وتنعدم بانعدام الصورة النوعيّة وهى صورة الإنسانيّة أو الكلبيّة ومع عدم بقاء الذات لا يشملها النزاع ولا معنى لأن يقال : إنّ الإطلاق عليها حقيقة أو مجاز.
ولكن أورد عليه في تهذيب الاصول بأنّ النزاع في المقام لغويّ لا عقليّ حتّى يتشبث بأنّ فعليّة الشيء بصورته لا بمادّته وحينئذ لا مانع من وضع الإنسان مثلا للأعمّ بعد ما كان عنان الوضع بيد الواضع إذ التسمية لا تدور مدار هويّة الشيء. أضف إليه أنّ انقضاء المبدأ لا يوجب مطلقا زوال الصورة النوعيّة ولو عرفا كما في تبدّل الخمر خلّا فإنّهما ليسا حقيقتين مختلفتين بالفصول بل هما متّحدان في الذاتيّات متفارقان في الأوصاف عرفا ومثلها الماء والثلج فإنّهما ليسا جوهرين متباينين بل الاختلاف بينهما من ناحية الوصف أعني اتّصال أجزائهما وعدمه. هذا مع أنّ النزاع لو كان عقليّا لا يعقل صدق المشتقّ عقلا على ما زال عنه المبدأ فلا يصدق العالم على من زال عنه العلم عقلا بالضرورة. ثمّ اختار قدسسره أنّ الوجه في خروجها هو اتّفاقهم على كونه موضوعة لنفس العناوين فقطّ لا للذات المتلبّس بها ولو في زمان ما وهذا بخلاف المشتقّات فإنّ دخول الذات فيها أمر مبحوث عنه ومختلف فيه فيقع فيها هذا النزاع. (١)
وفيه : أوّلا : أنّه ليس كلّ ممكن بواقع عن الحكيم بل ما تقتضيه الحكمة. وحيث أنّ الوضع لحكمة رفع الحاجة فالتسمية تدور مدار هويّة الشيء.
وثانيا : أنّ انقضاء المبدأ يوجب حكم العرف بعدم بقاء العنوان حتّى في مثل الماء و
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ / ١٠٠.