وممّا ذكر يظهر ما في الكفاية حيث قال في تفسير العوارض الذاتيّة : «أي بلا واسطة في العروض» يعني أنّ كلّ محمول يكون إسناده إلى الموضوع من باب إسناد الشيء إلى ما هو له ولا يصحّ سلبه عنه هو من العوارض الذاتيّة وكلّما لم يكن كذلك كإسناد الحركة إلى جالس السفينة فهو عرض غريب ويصحّ سلبه عنه.
وعليه فليس المراد من العوارض الذاتيّة ، العوارض الذاتيّة المصطلحة في المنطق بل المراد منها هي المحمولات الحقيقيّة العرفيّة فيخرج بذلك القيد المحمولات التي ليست محمولات حقيقيّة على الموضوع بل تكون من باب وصف الشيء بحال متعلّقه وذلك لما عرفت من أنّ إسناد أحكام الأنواع إلى الأجناس لا يكون حقيقيّا بل من باب وصف الجنس بحال بعض أفراده وهو نوع. هذا مضافا إلى ما أورد عليه بعض أساتذتنا من أنّ موضوع علم النحو هو آخر الكلمة إذ هو معروض الرفع والنصب والجرّ حقيقة وذاتا وبواسطته تعرض هذه العوارض على الكلمة كالفاعل والمفعول ومدخول الجارّ. ففي قولنا : الفاعل مرفوع مثلا لا يكون المرفوع هو تمام أجزاء ما يكون فاعلا بل المعروض الذاتيّ هو آخر الكلمة وباعتباره وبواسطته صار الفاعل بتمام أجزائه مرفوعا ومن المعلوم أنّه من باب وصف الكلّ بوصف جزئه ويكون من باب الواسطة في العروض فلا وجه لإخراج أمثال هذه العوارض إذا كانت موردا لغرض المدوّن بخلاف ما إذا لم تكن موردا لغرضه فإنّه لا داعي لطرحه وعليه فالأولى أن يقال مكان العوارض الذاتيّة : «العوارض المقصودة» سواء كانت ذاتيّة أو غريبة وسواء كانت حقيقيّة أو غير حقيقيّة وسواء كانت من أوصافه أو من أوصاف متعلّقه. فلا يصحّ ضميمة قوله : «بلا واسطة في العروض» في التعريف. فيمكن أن نعرّف الموضوع لكلّ علم بأنّه : «الذي يبحث فيه عن عوارضه المقصودة سواء كانت ذاتيّة أو غريبة حقيقيّة أو غير حقيقيّة» فلا تغفل.
* * *