الحقيقة إلى استعلائه والدليل عليه هو صحّة سلب الأمر عن طلبه إذا لم يكن عاليا عند العرف ولا عاليا في الواقع ولا بناء على كونه عاليا.
فتحصّل أنّ مفهوم الأمر متضيّق ولا يصدق إلّا على طلب العالي على سبيل الإلزام.
ذهب في نهاية الاصول إلى منع اعتبار العلوّ بنحو القيديّة في معنى الأمر حيث قسّم الطلب على قسمين :
أحدهما : الطلب الذي قصد فيه الطالب انبعاث المطلوب منه من نفس هذا الطلب بحيث يكون داعيه ومحرّكه إلى الامتثال صرف هذا الطلب وهذا القسم من الطلب يسمّى أمرا.
ثانيهما : هو الطلب الذي لم يقصد الطالب فيه انبعاث المطلوب منه من نفس طلبه بل كان قصده انبعاث المطلوب منه من هذا الطلب منضمّا إلى بعض المقارنات التي توجب وجود الداعي في نفسه كطلب المسكين من الغنيّ فإنّ المسكين لا يقصد انبعاث الغنيّ من نفس طلبه وتحريكه لعلمه بعدم كفاية بعثه في تحرّك الغنيّ ولذا يقارنه ببعض ما له دخل في انبعاث الغنيّ كالتضرّع والدعاء لنفس الغنيّ ووالديه مثلا وهذا القسم من الطلب يسمّى التماسا أو دعاء.
فعلى هذا حقيقة الطلب على قسمين غاية الأمر أنّ القسم الأوّل منه (أي الذي يسمّى بالأمر) حقّ من كان عاليا ومع ذلك لو صدر عن السافل بالنسبة إلى العالي كان أمرا أيضا ولكن يذمّه العقلاء على طلبه بالطلب الذي ليس شأنا له فيقولون أتأمره؟ كما أنّ القسم الثاني يناسب شأن السافل ولو صدر عن العالي أيضا لم يكن أمرا فيقولون لم يأمره بل التمس منه ويرون هذا تواضعا منه. انتهى (١)
__________________
(١) نهاية الاصول ١ / ٨٦.