وممّا ذكر يظهر ما في الوقاية حيث أورد على المشهور في قولهم :
إنّ الأمر الوارد عقيب النهي للإباحة بأنّ لازم رفع الحظر السابق وفرضه كالعدم هو رجوع الحكم السابق غالبا فيجب إن كان قبل واجبا ، كقوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ). ويجوز إن كان جائزا مثل : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا). (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ). وبهذا يظهر لك ما في القول المشهور من المسامحة وهو كونه للإباحة. (١)
لما عرفت من أنّ مراد المشهور من الإباحة هي الإباحة العامّة لا الإباحة الخاصّة وهم لا يعنون بها الأرفع الحجر والحظر.
هذا مضافا إلى أنّ مثل قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) ، من أمثلة المقام محلّ منع بعد ما عرفت من تقرير محلّ النزاع فإنّ النزاع في الأمر الحادث عقيب النهي لا الأمر الحاصل قبله الشامل بعمومه أو إطلاقه لما بعد الحظر بأن يكون النهي من قبيل المخصّص أو المقيّد له بالنسبة إلى زمان النهي كالحائض وعليه فالأمر بالمقاتلة مع المشركين والكفّار أمر عامّ يشمل قبل النهي وبعده وهو خارج عن محلّ النزاع فلا تغفل.
وعليه فلا وجه لما في الكفاية من «إنكار ظهور الصيغة في غير ما تكون ظاهرة فيه. غاية الأمر يكون موجبا لإجمالها وغير ظاهرة في الوجوب وغيره» لما عرفت من أنّ ظهور حال الآمر الملتفت إلى النهي في كونه في مقام بيان أمد النهي ورفع الحظر موجب لرفع اليد عمّا تكون الصيغة ظاهرة فيه ومع الظهور المذكور لا وجه للإجمال والوقف.
وحيث عرفت أنّ الظهور المذكور ظهور نوعيّ لا مورديّ يظهر أنّه ليس من
__________________
(١) الوقاية / ١٩٥.