المبحث الثامن : في الفور والتراخي :
ربما يتوهّم أنّ مقتضى تعلّق البعث الذي هو مدلول الأمر بنفس الطبيعة المهملة هو عدم إفادة صيغة الأمر للفور أو التراخي بنفسها كما لا تفيد المرّة والتكرار وغيرهما من سائر القيود ولذلك صرّح جماعة بأنّ ما قدّمناه في نفي دلالة الأمر على المرّة والتكرار هو بعينه جار في عدم دلالته على الفور والتراخي إذ بعد إخراج كلّ قيد من زمان ومكان وغيرهما عن مدلوله لا محيص عن القول بعدم دلالته عليه لا بهيئته ولا بمادّته.
ولكن الحقّ هو ما ذهب إليه سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدسسره من أنّ البعث الإنشائيّ كالبعث الخارجيّ فكما أنّ البعث الخارجيّ يفيد الفوريّة ولا يساعد مع التراخي فكذلك البعث الإنشائيّ فالأصل في الأوامر هو الفوريّة إلّا أن تدلّ على خلافها قرينة فالفوريّة من مقتضى البعث. انتهى
وعليه فالفوريّة كالوجوب والندب المنتزعين من البعث بحكم العقلاء فهي وإن لم تؤخذ في الهيئة ولا في مادّة الأمر إلّا أنّ البعث من المولى كما هو موضوع لحكم العقلاء بتماميّة الحجّة على لزوم الإتيان وانتزاع الوجوب عنه كذلك موضوع لحكمهم بالفوريّة وعدم جواز التراخي فيه ما لم تقترن معه قرينة على الخلاف.
وممّا ذكر يظهر ما في تهذيب الاصول حيث قال : إنّ مقتضى الملازمة بين الوجوب والإيجاب أنّ الإيجاب إذا تعلّق بأيّ موضوع على أيّ نحو كان يتعلّق الوجوب به لا يغيره فإذا تعلّق الأمر بنفس الطبيعة لا يمكن أن يدعو إلى أمر زائد عنها