بعيد عن الصواب جدّا ، أمّا عدم المطابقة والتضمّن فظاهران إذ لا أظنّ أن يتوهّم أحد أنّ الأمر بمادّته أو هيئته يدلّ على الإجزاء إذا أتى المكلّف بالمأمور به على وجهه بحيث يكون هذا المعنى بطوله عين مدلوله أو جزئه.
وأمّا الالتزام فبمثل ما تقدّم وما يقال في تقريبه من أنّ الأمر يدلّ على أنّ المأمور به مشتمل على غرض للآمر ولا محالة أنّ ذلك الغرض يتحقّق في الخارج بتحقّق المأمور به وحينئذ يسقط الأمر لحصول ذلك الغاية مدفوع بأن عدّ تلك القضايا الكثيرة العقليّة من دلالة الأمر عليها التزاما لا مجال للالتزام به إذ جعلها من المداليل الالتزاميّة يتوقّف على كونها من اللوازم البيّنة حتّى يجعل من المداليل الالتزاميّة بالمعنى المصطلح مع أنّ المقدّمتين المذكورتين في كلامه قد تشاجرت في صحّتهما الأشاعرة والمعتزلة فكيف يكون أمرا بيّن الثبوت. (١)
وعليه فيكون البحث عن علّيّة الإتيان للإجزاء عقليّا ويناسب المباحث العقليّة الاصوليّة ولا يرتبط بمباحث الألفاظ كما لا يخفى.
ويمكن أن يقال : إن كان البحث في إجزاء إتيان المأمور به بالنسبة إلى أمر نفسه سواء كان واقعيّا أو اضطراريّا أو ظاهريّا فهو كذلك لأنّ البحث حينئذ راجع إلى علّيّة الإتيان للإجزاء ويكون بحثا عقليّا ولا يرتبط بمباحث الألفاظ ولكن حيث كان اقتضاء الإتيان للإجزاء بالنسبة إلى أمر نفسه من البديهيّات فلا يصلح ذلك أن يكون محلّ النزاع كما قال في الوقاية :
إنّ إجزاء كلّ أمر عن نفسه إذا اتي به على وجهه أي مستجمعا لجميع الشرائط والأجزاء المأخوذة في موضوعه ينبغي أن يعدّ من البديهيّات ضرورة حصول متعلّقه
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ / ١٧٧.