المقام الثاني : في حقيقة الكلام النفسيّ والطلب النفسيّ على ما ذهب إليه الأشاعرة وأدلّتها
والمحكيّ عن شرح المواقف : إنّ الذي قالته المعتزلة لا ننكره نحن بل نقوله ونسمّيه كلاما لفظيّا ونعترف بحدوثه وعدم قيامه بذاته تعالى ولكنّا نثبت أمرا وراء ذلك وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبّر عنه بالألفاظ ونقول هو الكلام حقيقة وهو قديم قائم بذاته تعالى ونزعم أنّه غير العبارات إذ قد تختلف العبارات بالأزمنة والأمكنة ولا يختلف ذلك المعنى النفسيّ بل نقول ليس تنحصر الدلالة عليه في الألفاظ إذ قد يدلّ عليه بالإشارة والكتابة كما يدلّ عليه بالعبارة والطلب الذي هو معنى قائم بالنفس واحد لا يتغيّر مع تغيّر العبارات ولا يختلف باختلاف الدلالات وغير المتغيّر أي ما ليس متغيّرا وهو المعنى مغاير للمتغيّر الذي هو العبارات.
ونزعم أنّه أي المعنى النفسيّ الذي هو الخبر غير العلم إذ قد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه وأنّ المعنى النفسيّ الذي هو الأمر غير الإرادة لأنّه يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أم لا فإنّ مقصوده مجرّد الاختبار دون الإتيان بالمأمور به وكالمتعذّر من ضرب عبده بعصيانه فإنّه قد يأمره وهو يريد أن لا يفعل المأمور به ليظهر عذره عند من يلومه. انتهى موضع الحاجة. (١)
ولا يخفى عليك أنّ الأشاعرة على ما في هذا الكلام المحكيّ عن بعض أعلامهم ذهبوا إلى امور :
١ ـ إنّهم ذهبوا إلى ما ذهبوا اليه من الكلام النفسيّ مضافا إلى ما اعتقدوه من الكلام اللفظيّ الذي لم يكن قائما بذاته تعالى وكان حادثا.
٢ ـ إنّ الكلام النفسيّ في ذاته تعالى قديم ولا يعتريه ما يعتري الحادث ولذا
__________________
(١) المحاضرات ٢ / ١٨.